#رياضة
لاما عزت الأحد 1 يونيو 08:00
لا تطلب الكاميرا، ولا تعيش لأجل التصفيق، وتسابق نفسها كل يوم، وتعيد تشكيل الحلم بأنامل من حديد.. نورة القبيسي ليست مجرد رياضية، بل شابة إماراتية اختارت أن تكون في قلب السباق، لا على هامشه. فمن دراسة القانون، إلى مضامير التحمل، تسير بخطى ثابتة؛ لأن بوصلة شغفها لا تعرف التراجع. وعلى ظهر الخيل، تتحول إلى مقاتلة صامتة، تُحادث حصانها، كما تُحادث قلبها، وتخوض السباق لا لهزيمة الخصوم، بل لتنتصر على التعب، والشك، وكل ما يحاول إثناءها عن التقدم. وقد حققت نورة إنجازات لافتة في عالم الفروسية، كان أبرزها فوزها بكأس «الشيخة فاطمة بنت منصور» للسيدات للقدرة، ومشاركتها في سباقات نخبوية تطلّبت جهداً استثنائياً ولياقة ذهنية وجسدية عالية. تلك الإنجازات لم تكن لحظة فوز عابرة، بل نتيجة سنوات من الانضباط، والتدريب الصارم، والإصرار اليومي على التقدّم.. في هذا الحوار الخاص، تتألق الفارسة الإماراتية، نورة القبيسي، على غلاف عدد يونيو من «زهرة الخليج»، متزينة بإبداعات «برادا» (Prada)، الدار الإيطالية الفاخرة، وتفتح قلبها؛ لتروي لنا كيف تُبنى البطولات بعيداً عن الأضواء، وكيف يكون الجمال وجهًا آخر للقوة:
-
قميص برادا المغربي القديم/ قميص حريري/ وتنورة قطنية مثقبة. وشاح من الحرير والصوف/ حزام جلدي/ حذاء «ميول» مفتوح من الخلف من جلد النابا مع تفاصيل حبل/ وحقيبة «غاليريا» الجلدية المطبوعة.. جميعها من Prada
تنقلتِ بين رياضات تتطلب جسداً صارماً، وروحاً مرنة.. مَنْ «الرياضية» في داخلك؟
منذ صغري، كنت منجذبة إلى كل ما يحمل روح التحدي والانضباط. فمارست «الكاراتيه، وكرة القدم». والآن، أعيش شغفي بـ«الفروسية». كل رياضة شكلت جانباً مني؛ فـ«الكاراتيه» علمتني الصرامة والتحكم، و«كرة القدم» زرعت بداخلي روح الفريق، و«الفروسية» منحتني القوة والهدوء والصبر والاتصال العميق بروح أخرى (الحصان). «الرياضية» في داخلي ليست فقط من تُدرب جسدها، بل من تسعى كل يوم إلى تحدي ذاتها؛ لتثبت - لنفسها قبل غيرها - أنها قادرة. ولا أنافس؛ لأثبت أنني الأفضل، بل لأبرهن على أن الإصرار والانضباط يصنعان الفارق. وأسعى، دائمًا، لأكون نسخة أقوى من نفسي، ورياضية تعرف أن النجاح لا يأتي بسهولة، لكنه يستحق كل لحظة تعب!
شغف.. وإرث
هل حبك للرياضة وُلِدَ من الشغف، أم من إرث عائلي؟
من كليهما؛ فوالدتي كانت رياضية، وتمارس «العدو الريفي»، وكرة القدم، وكنا نلعب معاً؛ فكبرتُ وأنا أرى الرياضة جزءاً أساسياً في حياتي، لكنّ التحدي يسكنني بالفطرة؛ لذلك أمارس الرياضة بشغف، وأيضًا لأتفوّق على نفسي. وأشعر بأنني خُلقت لأكون رياضية؛ لأن كل طاقتي تتجه نحو هذا النمط من الحياة.
-
حقيبة «الدلو» الجلدية.. من Prada
ثلاث رياضات، ودراسة القانون بجامعة عريقة، وتمثيل وطني.. هل شعرتِ، يوماً، بأن النجاح صعب؟
النجاح لم يكن يوماً سهلاً، والموازنة بين الدراسة والرياضة صعبة بلا شك؛ فأنا أبدأ تدريباتي، أحياناً، من الرابعة والنصف فجراً حتى التاسعة صباحاً، ثم أذهب إلى الجامعة. فالنجاح مرهق جسدياً ونفسياً، لكنني أذكّر نفسي، دائمًا، بأنني شغوفة بالفروسية والدراسة معاً، وأحب ما أفعله في كلا الجانبين. خلال موسم الامتحانات، أضع الرياضة جانباً، لكن بمجرد انتهائها أعود بكامل طاقتي.
هل شعرت، يوماً، بأن جسدك يرفض الانتماء إلى رياضة واحدة؟
تماماً.. فقد جربت «الجمباز، والكاراتيه، وكرة القدم»، وكل رياضة علّمتني شيئاً مختلفاً. لكن «الفروسية» كانت نقطة تحوّل؛ فقد جذبتني دون تخطيط، ومنذ التجربة الأولى شعرت بأنها مكاني. لا يجب أن يحصر الرياضي نفسه في رياضة واحدة، بل عليه أن يستمع لما يعبّر عنه جسده، وروحه.
-
كنزة صوفية مخططة ذات ياقة مدورة/ وجاكيت من الجينز والجلد. تنورة جلدية/ حزام جلدي/ ووشاح من الحرير والصوف.. جميعها من Prada
الفروسية رياضة لا تكتمل إلا بشريك صامت (الحصان).. ما الذي تعلمتِه من صمت هذا الكائن أثناء السباق؟
الخيل يفهمنا بطريقة لا تُصدق؛ فأتحدث مع حصاني أثناء السباق كأنه يسمعني. وفي لحظات التعب، أشعر بأنه يُكمل الطريق بدلاً مني. تلك العلاقة التي تُبنى بالصمت، والاحترام، تمنحني هدوءاً داخلياً عميقاً. إن رياضة القدرة والتحمّل علمتني الكثير، خاصة في علاقتي بالخيل. كما علّمتني الشجاعة، والهدوء تحت الضغط، والأهم هو كيف أكون قائدة. فالخيل بطبيعته يتبع من يثق به، وهذه الثقة لا تُمنح بسهولة، بل تُكتسب عبر الوقت، والاحترام، والعمل المشترك.
نرى أرقاماً وبطولات ومراكز في مسيرتك الرياضية، فما الذي لا يُرى خلف فوزك؟
الوقوف على منصة التتويج لحظة قصيرة، لكنها تختصر شهورًا طويلة من التحضير، والانضباط، والتحديات التي لا يراها أحد. فالناس يرون النتيجة النهائية، ويصفقون لها، لكن ما يحدث خلف الكواليس قليلون من يدركونه. هناك سنوات من الانضباط، وجداول مرهقة، وتضحيات يومية، وأوقات الفجر، والأيام التي أتنازل فيها عن راحتي. إن النجاح الحقيقي، في نظري، ليس مجرد لحظة فوز، بل هو الاستمرارية، وأن أستيقظ كل يوم رغم التعب، وأتمرّن حتى حينما لا يكون هناك من يراقب أو يشجع، وأن أستمر فقط؛ لأنني وعدت نفسي بذلك.
مَن الخصم الحقيقي؟
خصمك الحقيقي.. مَنْ في الميدان، أم مَنْ بداخلك؟
قد أتفوق على خصمي في الميدان، لكن الخصم الحقيقي لم يكن يومًا أمامي، بل هو في داخلي، إنه التعب، والتوتر، وتفاصيل صغيرة قد تُربك تركيزي في لحظة. وأحيانًا يكون صوتًا ناقدًا، أو مجرد توقع عالٍ أضعه على نفسي. لكنني لا أحمّل الظروف أو الحصان المسؤولية، فأنا أراجع نفسي، وأتعلّم، وأكمل السباقات التي ليست معارك ضد الآخرين، بل اختبارات ضد نفسي. وبالطبع، لا أنكر أن لحظة الفوز وتجاوز خصوم أقوياء، لها طَعم خاص، وشعور لا يُقارن، لكنها نتيجة، وليست غاية؛ فالغاية دائمًا أن أكون في مكاني الطبيعي «في المقدمة.. بثقة، وهدوء».
-
فستان حرير متوسط الطول/ ووشاح حرير وصوف. حقيبة «الدلو» الجلدية بمشبك/ وحذاء «ميول» جلدي.. جميعها من Prada
كإماراتية نشأت في وطن يُراهن على طاقات نسائه.. ما الشعور الذي ينتابك حينما تمثلين الإمارات في كل سباق؟
تمثيل وطني شرف ومسؤولية، وكإماراتية - نشأت في وطن يراهن على طاقات نسائه- أشعر بفخر كلما مثلت بلادي. عندما أكون على ظهر الحصان، أعي تمامًا أنني لا أنافس فقط من أجل نفسي، بل كصورة لفتاة إماراتية آمنت بنفسها، وتلقت الدعم لتصنع فرقًا. وقد علمني الوطن أنه لا يوجد سقف لأحلامي، وأن التحديات لا تُخيف من تربّت على أرضٍ علمتها العزيمة. في كل سباق، أركب بروح فتاة من الإمارات، تحمل معها الصبر، والإصرار، والإيمان بأن تمثيل الوطن شرف ومسؤولية، وأنا فخورة بأن أكون جزءًا من هذا الرهان الناجح على «بنات زايد».
ما اللحظة، التي شعرتِ، خلالها، بأن هويتك الإماراتية مصدر قوة؟
حينما رفعت علم الإمارات، ووقفت على منصة التتويج في بطولة غرب آسيا للكاراتيه، بعد فوزي بالمركز الأول في «الكاتا الفردي». كانت لحظة شعرت فيها بأنني لا أمثل نفسي فقط، بل وطني بأكمله. فالهوية ليست شعاراً، بل مسؤولية تُشكّلني كل يوم، وتدفعني لأكون الأفضل، والهوية الإماراتية - بالنسبة لي - تعني الإرث، والقيادة، والمسؤولية. نحن محظوظات؛ لأننا ننتمي إلى وطن يؤمن بقدراتنا، ويدفعنا إلى الصدارة، صحيح أنني لم أشارك - بَعْدُ - في بطولات دولية بالفروسية لتمثيل الإمارات، لكن هذا الهدف هو ما أعمل عليه يومًا بعد يوم. وحتى حينما أُشارك في سباقات تُقام على أرضنا، وأرى الفرسان من مختلف أنحاء العالم، أشعر بالفخر؛ لأنني أُنافس باسم وطني. وأطمح أن أكون امتدادًا للإرث الذي زرعته الإمارات في هذه الرياضة، وأن أترك بصمة باسمها في ميادين العالم.
-
جاكيت «بلوزون» من الجينز والجلد/ سروال «باتيست» بطبعة الزهور/ وشاح من الحرير والصوف/ حقيبة «غاليريا» الجلدية / و«بوتس» من الجلد.. جميعها من Prada
اليوم.. باتت الإمارات مركزاً عالمياً للفروسية، كيف ترين انعكاس هذا الواقع على الفارسات الجديدات؟
هناك تطور متسارع؛ بفضل الدعم الكبير من الدولة، والمسارات المخصصة للفارسات. إن الجيل الجديد - من الفارسات الجديدات - واعٍ، وقوي، ويدخل المجال بثقة واحتراف. وأنا فخورة بأن أكون ضمن هذا المشهد، وأن أكون قدوة تحتذي بها الفتيات الجديدات.
رؤية مستقبلية
ما الذي تتمنين رؤيته في مستقبل الفروسية، وهل ترين نفسك جزءاً منه؟
اليوم، تُقدّم الإمارات الكثير إلى «الفروسية النسائية»، والدعم الذي نحصل عليه من القيادة، والمؤسسات المختصة، واضح وملموس. فمن البطولات المخصصة للسيدات، إلى المسارات المهنية، والفرص التدريبية، كل هذه المبادرات تجعلنا نشعر بأن لنا مكانًا حقيقيًا في هذا المجال، وأتمنى أن يستمر هذا التقدّم، وأن نرى المزيد من الفارسات الإماراتيات يتألقن.. محليًا، وعالميًا.
-
فستان بطبعة زهور من قماش «بونجي»/ جاكيت قميص من قماش الغبردين القطني/ ووشاح حريري مطبوع.. جميعها من Prada
عندما تنظر إليك فتاة صغيرة وترى بطلةً.. من ترين أنتِ في المرآة؟
أرى مقاتلة، ولا أرى كمالاً، بل امرأة تتطور وتنضج. أعلم أنني في منتصف الطريق، لكنني فخورة بإصراري، وشغفي، واستعدادي لأكون أفضل كلَّ يوم. كما أدرك أن كل خطوة قد تكون بداية حلم في عين فتاة تنظر إليّ الآن، مثلما كنتُ أنظر إلى من سبقنني.
في العطلات والأعياد.. هل تبتعدين عن الانضباط الرياضي؟
العيد - بالنسبة لي - لحظة توازن؛ فأترك التدريب والدراسة جانباً، وأستمتع مع أهلي، بأحاديثنا، وضحكاتنا. عائلتي جزء أساسي في هذه المعادلة، فهي التي تمنحني الدعم، وتذكّرني - دومًا - بأن الحياة ليست فقط سباقًا مستمرًا، بل توازنٌ بين الطموح، والروابط الإنسانية. كما أدرك أن الراحة ليست كسلًا، بل ضرورة للاستمرار. بعد كل عطلة، أعود بطاقة أكبر، وشغف أقوى.
-
«هودي» قطني بسحاب/ تنورة Compact/ وشاح حريري مطبوع/ حزام من جلد «سافيانو».. جميعها من Prada
ما طقوس «الفروسية»، التي لا تتغير في يومك؟
من التحضير الدقيق لرعاية الخيل، إلى لحظة التواصل الصامت أثناء السباق، هذه كلها طقوس تكرّس العلاقة بيني وبين حصاني. فالفروسية - بالنسبة لي - ليست هواية، بل أسلوب حياة، أعيشه بتفاصيله، وأتعلم منه يومياً. أحب في «الفروسية» أنها لا تشبه غيرها، سواءً في إيقاعها، أو في لحظاتها. وأهم لحظاتها عندي هي تلك الثواني في قلب السباق، عندما أكون أنا والحصان على الموجة نفسها، فيتحول كل تعب التدريب إلى تركيز وسرعة.. إنها لحظة بين هدوء داخلي، وحماسة لا تهدأ.
كامرأة رياضية.. هل تعتقدين أن الجمال يتعارض مع القوة، أم أن القوة نوع من الجمال؟
أرى أن القوة - في حد ذاتها - جمال؛ فالمرأة القوية، الواثقة، الوادعة في حضورها، تحمل جمالاً فريداً. اليوم، نعيش في زمن أصبح فيه تمكين المرأة واقعًا؛ بفضل نساء ملهمات، مهّدن الطريق، وأثبتن أن القوة والأنوثة يمكن أن تتجسدا في شخصية واحدة، والجمال - لديَّ - هو التوازن بين الأناقة والانضباط، والحزم والنعومة.
-
حقيبة «غاليريا» الجلدية.. من Prada
أيقونة نسائية
من أيقونتك النسائية؟
مصدر إلهامي الجمالي، والأيقونات النسائية في حياتي، يبدأ من بيتي، من والدتي وأخواتي. إنني أراهنَّ كلَّ يوم، وأتأمل قوة شخصياتهن، وتوازنهن بين العطاء والطموح، وكيف وصلن إلى ما هنَّ عليه اليوم، كما أن دعمهنّ لي غير مشروط، وهذا وحده كافٍ ليكون مصدراً يومياً للإلهام. كما أستمد إلهامي من شخصيات إماراتية، مثل معالي شما بنت سهيل المزروعي، وزيرة تمكين المجتمع، لأنها مثال حي للمرأة الشابة القوية، المتعلّمة، التي برزت - بثبات، ورقيٍّ - في مواقع قيادية، دون أن تفقد بساطتها أو هويتها. إن المرأة المتوازنة، بين البساطة والطموح، هي الأجمل.
كيف تحافظين على روتينك الجمالي، في خضم التزاماتك الرياضية؟
العناية ببشرتي أساسية، خاصة أثناء التعرض للشمس والغبار. ولا أتنازل عن الواقي الشمسي، وأحمل حقيبة صغيرة معي حتى خلال السباقات. إنني أحب المظهر الطبيعي، لكنني أيضاً أخصص وقتاً للاعتناء بنفسي خارج الميدان؛ فالجمال شعور داخلي أيضاً، وليس مجرد شكل خارجي.
-
حقيبة «غاليريا» من جلد الغزال مع شراريب.. من Prada
ما رسالتك إلى الفتيات الصاعدات؟
لكل فتاة صغيرة، تحمل حلمًا في قلبها، أقول: لا تتسرعي، وخذي وقتك، وثقي بنفسك، واستمتعي برحلتك. ولا تخافي من الفشل، فكل خطوة صغيرة تقرّبك من حلمك. كذلك، اعملي بشغف، وَدَعِي قلبك يرشدك.. ومع الوقت، ستصلين إلى ما يفوق توقّعاتك.