#منوعات
ياسمين العطار اليوم
بين تقارير الإغاثة العاجلة وأرقام المستفيدين على الورق، تعرف ساجدة الشوا أن ما تسعى إليه أكبر من مجرد أرقام: أثرٌ يبقى في حياة البشر. في مكتبها بدولة الإمارات، حيث تدير دفة مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية «أوتشا»، تجلس وتكرس حياتها للقضايا الإنسانية. لكن خلف هذا المشهد الرسمي، تمتد جذور حكاية إنسانية بدأت في بيت فلسطيني بالكويت. هناك، تشكل وعي طفلة كانت تراقب والدتها وهي تعمل بلا كلل من أجل تعليم الفتيات الفلسطينيات. هكذا تشربت ساجدة معنى أن يكون العمل الإنساني رسالة يتوارثها القلب قبل أن يتبناها العقل.
اليوم، ومن موقعها القيادي، تروي ساجدة في هذا الحوار مع «زهرة الخليج» كيف تسهم الإمارات في ترسيخ نهج عالمي قائم على الاستدامة والكرامة الإنسانية، ورؤيتها لمكانة المرأة في هذا المجال الذي يتطلب القوة والرحمة معاً.
أسلوب حياة
تؤكد ساجدة بابتسامة دافئة تخفي خلفها سنوات طويلة من الخبرة الميدانية في مناطق النزاع، والأمل المتجدد في أن الكلمة والمبادرة يمكن أن تغير حياة إنسان. تقول: «كبرت وأنا أؤمن بأن المسؤولية الاجتماعية ليست عملاً إضافياً، بل أسلوب حياة».
الإلهام الأول.. أم تصنع الوعي
في منزلها بالكويت، كانت والدتها إحدى مؤسسات اتحاد المرأة الفلسطينية وصندوق التعليم للطلبة الفلسطينيين في أوائل السبعينات، وهناك، في أجواء مشبعة بالوعي بالإنسانية والعمل الأهلي، أدركت ساجدة معنى الالتزام. تتذكر مشاركتها في أول حملة خيرية حين كانت في الصف الخامس، وساعدت والدتها في مبادرة لدعم تعليم طالبات فلسطينيات. تقول: «رأيت بعيني كيف يمكن لمبادرة صغيرة أن تصنع فرقاً حقيقياً. هذه اللحظة غرست بداخلي الإيمان بأن ـ هذا هو طريقي». هذا الفارق أصبح رسالتها، التي حملتها في دراستها للعلوم السياسية والدبلوماسية، ثم في تنقلها بين محطات العمل الميداني في الأردن، سوريا، العراق، لبنان، ليبيا، ومصر.
أثر متجدد
تنقلت ساجدة بين منظمات دولية عدة، منها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وشاركت في تنسيق استجابات إنسانية لمناطق ومجتمعات منكوبة. كان لكل تجربة أثر خاص، لكنها تقول إن الدافع الإنساني لم يتغير: «كل موقف ميداني كان يعيدني إلى تلك اللحظة الأولى، حين شعرت أنني أستطيع أن أحدث أثراً».
-
ساجدة الشوا: العمل الإنساني رسالة العمر.. لا مهنة مؤقتة
الإمارات.. حاضنة العطاء المستدام
في موقعها الحالي كمديرة لمكتب «أوتشا» في الإمارات، ترى ساجدة نموذجاً استثنائياً في التوجه الإنساني لدولة الإمارات، وتؤكد أن الإمارات أصبحت مرجعية إنسانية عالمية بفضل استجابتها السريعة، وحرصها على دعم البرامج المستدامة. تقول: «ما يميز الإمارات هو تركيزها على التمكين وليس فقط الإغاثة الطارئة، وذلك من خلال برامج تعنى بالتعليم، الصحة، وتمكين المرأة والمجتمعات. هي دولة تضع الكرامة الإنسانية أولاً، وتعمل بشراكة حقيقية مع المنظمات الدولية. شخصياً، كان للدعم الإماراتي دور كبير في نجاح العديد من الاستجابات الإنسانية التي أشرفت عليها».
حلقة وصل
من خلال مكتب «أوتشا»، تساهم ساجدة في قيادة جهود لتنسيق التعاون بين الجهات الحكومية الإماراتية والمنظمات الإنسانية العالمية. لا تقتصر مهمتها على تسهيل العمليات اللوجستية، بل تشمل أيضاً توفير منصات للحوار وتبادل المعرفة، والعمل على تحقيق تناغم بين أولويات الدولة واحتياجات المتضررين حول العالم. تعبر ساجدة: «نحن نُسهم في صنع انسجام حقيقي بين الجهود المحلية والدولية، وهذا ما يجعل للاستجابة الإنسانية أثر أعمق».
شراكات قوية
في عالم تتزايد فيه الأزمات، تؤمن ساجدة أن بناء شراكات قوية مع المانحين هو أساس فعالية العمل الإنساني. وهي تتبع لذلك مجموعة من المبادئ، أبرزها الشفافية، وبناء العلاقات طويلة الأمد، والاعتراف الدائم بفضل الشركاء. تقول: «العلاقة مع المانحين يجب أن تكون مبنية على رؤية مشتركة، واحترام متبادل، ووضوح في الأثر. وهنا، تلعب الثقة دوراً جوهرياً في الاستدامة».
المرأة في قلب العمل الإنساني
كسيدة تساهم في قيادة جهود إنسانية في بيئة دولية، لا تفصل ساجدة تجربتها الشخصية عن رؤيتها لدور المرأة في المجال. ترى أن المرأة ليست فقط مستفيدة من المساعدات، بل قادرة على أن تكون قائدة ومبادرة ومبدعة في تقديم الحلول. وتؤكد: «النساء في الميدان هن العمود الفقري لكثير من المجتمعات. عندما نمكن المرأة، نضاعف أثر العمل الإنساني».
التكنولوجيا.. وسيلة لا غاية
لا تخفي ساجدة تقديرها للتطورات التكنولوجية التي ساهمت في تحسين الاستجابة الإنسانية، لكنها تنبه إلى ضرورة استخدامها بطريقة أخلاقية، تراعي خصوصية وكرامة المتضررين. وتوضح: «البيانات يمكن أن تنقذ حياة، لكنها إن لم تستخدم بعناية، قد تعرض أصحابها للخطر».
الأم الحاضرة
رغم المسؤوليات الجسيمة، تحرص ساجدة على ألا تغيب عن دورها كأم لـ3 بنات. تقول: «التوازن ليس أن نقضي وقتاً متساوياً في كل دور، بل أن نكون حاضرين بصدق حيثما نكون. بناتي هن مصدر إلهامي. أريدهن أن يرين فيّ نموذجاً للمرأة التي توازن بين الطموح والرحمة. وأقول لكل امرأة في هذا المجال: لا تسعي إلى الكمال، كوني أنتِ، بكل قوتك وتعبك، فلكِ أثر في العالم وفي قلب من تحبين».
مسؤولية
وتختتم ساجدة، حديثها بعبارة تختصر مسيرتها: «العمل الإنساني ليس وظيفة، بل مسؤولية ورسالة. وكل امرأة، كل إنسان، يستطيع أن يكون جزءاً من هذا التغيير، بكلمة، بمبادرة، أو حتى بحضور متعاطف. العالم يحتاج إلى مزيد من التعاطف العملي، ونحن جزء من هذا الجهد».