#منوعات
كارمن العسيلي الجمعة 18 يوليو 14:00
سعادة ريم بن كرم، شخصية استثنائية تجمع بين الحنكة الإدارية والرؤية الاستراتيجية، تشغل اليوم منصب المدير العام لمجلس إرثي للحرف المعاصرة، حيث تقود رحلة تحويل الحرف الإماراتية من تراث تقليدي إلى منظومة اقتصادية وثقافية مستدامة تواكب تحديات العصر. استثمرت سعادة ريم بن كرم خبراتها العلمية والعملية في بناء نموذج متكامل يمزج بين الأصالة والابتكار، وبين الجمال والقيمة الاقتصادية والاجتماعية. في هذا الحوار، نستكشف مع سعادتها كيف نجحت في وضع الحرف الإماراتية على خارطة الاقتصاد الإبداعي العالمي، وكيف ترى مستقبل هذا القطاع الحيوي في ظل التطورات المتسارعة، مع تسليط الضوء على رؤيتها الفريدة ودورها القيادي في دعم وتمكين الحرفيات الإماراتيات.
-
ريم بن كرم: نحول الحرف إلى رافد اقتصادي مستدام
في البداية، ما أبرز أولوياتك وأهدافك في مجلس «إرثي» للحرف المعاصرة؟
نطمح في «إرثي» إلى تحويل الحِرف من مجرد نشاط تراثي إلى جزء فاعل من منظومة اقتصادية وثقافية ومجتمعية مستدامة. نعمل على ذلك من خلال أربعة محاور: رفع جودة المنتج الحرفي وتنافسيته عبر التدريب، وتطوير الأساليب المستخدمة، وتوسيع الحضور في الأسواق العالمية، وتبني مبادئ الاستدامة والتكنولوجيا الحديثة. رؤيتنا أن يصبح «إرثي» نموذجاً وطنياً للاقتصاد الإبداعي المستدام يربط التراث الإماراتي بالعالم، وأن نضاعف دخل الحرفيات خلال السنوات الخمس المقبلة.
كيف تطورت رؤيتك منذ توليك منصبك في «إرثي»؟
بدأتُ من هدف الحفاظ على التراث والحرف التقليدية، لكن سرعان ما تطوّر هذا الهدف إلى تمكين الحرفيات اقتصادياً واجتماعياً، من خلال التدريب والتطوير وربط الحِرف بمنظومات الاستدامة والسوق العالمي. انتقلنا من الحفظ إلى التمكين، من التقاليد إلى المعاصرة، واليوم نمتلك شبكة عالمية من الشراكات، وكفاءات حرفية إماراتية مبدعة وقادرة على الابتكار والتأثير.
تمكين المرأة جزء رئيسي من رسالة المجلس، كيف يتحقق ذلك عملياً؟
نطبّق مفهوم التمكين من خلال مسار متكامل يبدأ بالتدريب، ويصل إلى التمكين الاقتصادي. نوفر برامج لتعليم المهارات اليدوية والتقنيات المعاصرة، ونربط الحرفيات بمصممين معاصرين في ورش تشاركية، ونمنحهن دعماً في التسويق، والتسعير، وإدارة الأعمال، إلى جانب توفير قروض صغيرة لتسهيل الإنتاج. ثم نعمل على الترويج لمنتجاتهن في الأسواق المحلية والعالمية.
-
ريم بن كرم: نحول الحرف إلى رافد اقتصادي مستدام
ما أبرز التحديات التي تواجه المرأة الإماراتية في هذا المجال؟ وكيف تسهمون في التغلب عليها؟
التحديات متعددة، منها صعوبة المنافسة مع المنتجات الصناعية الأرخص، ونقص المعرفة التسويقية، والحاجة إلى موارد لوجستية وتمويلية. نتصدى لهذه التحديات ببرامج تدريب متقدمة، وإرشاد متخصص، ومنصات عرض داخل الدولة وخارجها، بالإضافة إلى شراكات مع مصممين عالميين وتوفير قنوات تمويلية ميسّرة عبر صندوق «دوّار».
كيف توازنون بين الحفاظ على هوية الحرف وتجديدها لتواكب العصر؟
في «إرثي» نبدأ بالحفاظ على روح الحرفة: نُوثِّق الغرز والألوان والأساليب الأصيلة كما وصلت إلينا من الأمهات والجدات، وثم ندخل عليها عناصر التجديد من خلال التعاون مع مصممين معاصرين. نحافظ على روح الحرفة ونطوّعها في منتجات قابلة للاستخدام اليومي، تجمع بين الأصالة والابتكار، وتفتح الباب للأسواق العالمية.
-
ريم بن كرم: نحول الحرف إلى رافد اقتصادي مستدام
هل هناك صعوبة في جذب الجيل الجديد إلى عالم الحرف؟
على العكس، الجيل الجديد منجذب للمنتجات التي تحمل هوية وقيمة بيئية. نحن نظهر لهم كيف تتحول الحرفة إلى مشروع ريادي، وكيف يمكن لنقشة محبوكة بإتقان أن تصبح مصدر دخل مستقل عبر منصات التجارة الإلكترونية، وتساهم في خفض البصمة الكربونية باستخدام خامات محلية صديقة للبيئة، وكيف يمكن أن تندمج مهاراتهم في التصميم والتقنية مع هذا العالم التراثي العريق.
ما أهمية دمج التكنولوجيا في تطوير الحرف؟ وكيف تطبقون الاستدامة؟
التكنولوجيا تُسهم في التوثيق والتطوير والوصول إلى الأسواق، من خلال الرقمنة والمسح ثلاثي الأبعاد والتجارة الإلكترونية. أما الاستدامة فنُطبقها عبر استخدام خامات طبيعية، وتقنيات إنتاج تقلل الهدر، وتمكين اقتصادي واجتماعي للحرفيات، إلى جانب دعم الصناعات الثقافية الإبداعية.
-
ريم بن كرم: نحول الحرف إلى رافد اقتصادي مستدام
ما الأثر الاجتماعي والثقافي الذي حققه «إرثي» خلال السنوات الأخيرة؟
حقق «إرثي» أثراً اجتماعياً واضحاً من خلال تنفيذ أكثر من 150 ورشة تدريبية في 12 منطقة داخل الإمارات، شاركت فيها 800 امرأة من «حرفيّات إرثي». تحولت المشارِكات من متدربات إلى رائدات أعمال، وأصبح لهن حضور مؤثر في أسرهن ومجتمعهن. كما عملنا على إدخال الحرف في المناهج التعليمية، وإعادة تقديمها كعنصر من عناصر الهوية الوطنية.
هل من قصص نجاح بارزة انطلقت من «إرثي»؟ شهدت الحِرف الإماراتية تطوراً لافتاً على الساحة العالمية، مدعومة بشراكات نوعية مع دور عالمية مثل «بولغري» و«اسبري»، إلى جانب حضورها في منصات الموضة الدولية مثل أسبوع ميلان. أسهمت أيضاً المنصات الرقمية التي أطلقها «إرثي» في تعزيز حضور الحرفيات في الأسواق العالمية من خلال التجارة الإلكترونية، ما فتح آفاقاً جديدة للابتكار وربط التراث بالمعاصرة.
-
ريم بن كرم: نحول الحرف إلى رافد اقتصادي مستدام
أما على مستوى قصص النجاح، فبرز مشروع «نقش» الذي نما من 7 إلى 42 حرفية تُصدّر منتجاتها إلى خمس دول. أيضاً علامة «Wardah Handcraft» التي حققت مبيعات تجاوزت 1.2 مليون درهم، ومشروع «بِدوة» الذي دمج حرفة السفيفة في الأثاث المستدام وحقق مبيعات بـ800 ألف درهم خلال 6 أشهر.
ما رسالتك للنساء الراغبات في دخول هذا المجال؟
أقول لهن: الحرفة هي مهارة يمكن تعلّمها وتطويرها لتصبح عملاً مستداماً. ابدأن بتعلُّم الأساسيات من خلال الدورات التي يوفرها مجلس «إرثي»، واستفدن من برامج الدعم والإرشاد. ركزن على جودة المنتج وتنظيم العمل، ثم اعرضن منتجاتكن عبر المنصّة الإلكترونية أو في المعارض المحلية والدولية. بالاجتهاد والتعلّم المستمر، يمكنكن بناء مشروعكن الخاص وتحقيق طموحاتكن.
View this post on Instagram