#منوعات
ياسمين العطار الإثنين 21 يوليو 18:04
بابتسامة يملؤها الرضا، وملامح حفر فيها الزمن ملامح الحكمة، جلست الإماراتية عائشة حسن على ضفاف البحر تمارس هوايتها الأثيرة: الحداق. لم يكن الخيط الذي تمسك به وسيلة لصيد الأسماك فحسب، بل كان خيطاً يربطها بجذور الماضي، وبذكريات والدها الذي علمها أول دروس الصبر والاتزان وفنون التعامل مع الموج والريح وهي لا تزال في الثامنة من عمرها. عبر سنوات من الشغف المتجدد، عادت عائشة إلى البحر بعد انشغالها بتربية الأبناء، لتصبح اليوم صوتاً يحمل رسالة توعوية وثقافية بأهمية الحفاظ على التراث البحري. في هذا الحوار مع «زهرة الخليج»، تنقل إلينا «أم أحمد» قصة عشقها الأصيل مع البحر، والخيط و«الميدار»، وتنقل رسالة توعوية وثقافية عن أهمية الحفاظ على التراث البحري.
-
عائشة حسن: كل خيط صيد أحمله يشدني إلى هويّتي
حدثينا عن علاقتك بوالدك، وكيف بدأت رحلتك مع الصيد؟
كانت علاقتي بوالدي مميزة جداً. كان هادئ الطباع، لكن يحمل من العلم والحكمة ما يفوق عمره، وكان يحب أن يشاركنا هذا الحب للبحر. لم يعاملني كطفلة، بل كصيادة متدربة، علّمني كيف أربط الخيط، أختار الطُعم المناسب، وأقرأ حركة السمكة من اهتزاز الخيط فقط. لكن الأهم، أنه علّمني أن الصيد ليس مجرد رزق، بل هو فن وتأمل وصبر، وهذه القيم ما زالت ترافقني في كل رحلة بحرية أقوم بها. الصبر الجميل هو الدرس الأثمن الذي تركه لي والدي، وأحمله معي في البحر والحياة.
تربية.. وعطاء
لماذا توقفت عن ممارسة الحداق بعد الزواج؟
الزواج والأمومة مسؤولية كبيرة. عندما رزقني الله بأطفالي، وجدت نفسي في رحلة أخرى تماماً، وهي رحلة التربية والعطاء غير المحدود. كان علي أن أكون موجودة دائماً في كل تفاصيل حياتهم. بعد أن كبر أولادي، أصبح لدي متسع من الوقت، وعدت لهوايتي بقلب مليء. والأجمل أنني لم أعد وحدي، فقد عادت معي ابنتي الكبيرة مريم، وصارت تشاركني هذا الشغف. وبعد أن علمت أولادي الصيد، أصبحوا يطلبون مني تعليم أحفادي أيضاً، وهذا يزيد من سعادتي.
ما أسرار اختيار الطُعم الجيد؟
الطُعم هو مفتاح الصيد، لكن الأهم أن تفهم سلوك السمك. أفضل طُعم هو الربيان والأخطبوط، لأن معظم أنواع السمك تفضلهما. ومع ذلك، يجب أن تعرف متى تصعد السمكة للسطح ومتى تنزل إلى الأعماق. الصيد ليس مسألة أدوات فقط، بل هو فن وخبرة مكتسبة.
حدثينا عن أدواتك الخاصة، هل تفضلين استخدام أدوات تقليدية أم تقنيات حديثة؟
أنا أعشق الأدوات التقليدية، لأنها تحمل روح الصياد الأصيل. «الخيط، والبلد، والميدار»، هذه أدوات تربطني بها ذكريات لا تُنسى مع والدي. لكنني كذلك تعلمت بعض التقنيات الحديثة، التي تساعدك على الصيد بكفاءة، خاصة في عرض البحر.
هل مررتِ بمواقف صعبة أو مفاجآت في عرض البحر؟
نعم، كثيرة. أذكر مرة كنا في رحلة مع ابنتي وصديقاتي، وكان كل شيء مرتب، وتوقعات الطقس كانت مطمئنة واستخدمنا برنامج «Windy» من قبل للتأكد من الطقس. ولكن فجأة، تغير الجو، وواجهنا أمواجاً مرتفعة. شعرت في تلك اللحظة بمسؤولية كبيرة، وبدأت أطبق كل ما تعلمته عن السلامة والهدوء. ونشكر خفر السواحل الذين أنقذونا في الوقت المناسب. وهذا ما يجعلني دائماً أحرص على توعية من حولي بأهمية معرفة أدوات السلامة، والإسعافات الأولية، وأهمية الاستعداد دائماً.
-
عائشة حسن: كل خيط صيد أحمله يشدني إلى هويّتي
مسؤولية.. وتحدي
ماذا مثّل لكِ فوزك بالمركز الأول في بطولة أبوظبي لصيد الأسماك للسيدات عام 2019، وكيف استعديتِ لهذه البطولة؟
الفوز كان جميلاً، وحافزاً كبيراً لكي أشارك في مسابقات قادمة وأساعد في الحفاظ على هويتنا الإماراتية البحرية. وعن الاستعداد، فلم يكن يختلف كثيراً عن أي رحلة صيد أخطط لها، لكن الفارق كان في الشعور بالمسؤولية والتحدي. جهزت خيوط الصيد الخاصة بي بعناية تامة، واستخدمت خيطاً أقوى بسمك 70 و«بلداً» أثقل و«ميداراً» أعرض يناسب صيد البحر المفتوح. تدربت مع ابنتي وصديقاتي كفريق، وتأكدنا من أننا نفهم جيداً قواعد المسابقة، وأننا نستخدم الأساليب التقليدية المدعومة بتقنيات حديثة.
ففي رأيك، كيف انعكست علاقة الأجداد بالبحر على نمط حياتهم ومصادر رزقهم في الماضي؟
كان البحر مصدر الحياة. قبل أن يكتشف النفط، كانت أرزاق الناس تعتمد على الغوص، وصيد السمك، والتجارة البحرية. الأجداد كانوا يعرفون البحر كما يعرف المزارع أرضه. يعرفون الموج، والمد، والأنواع المناسبة لكل موسم. ولهذا نحن مدينون لهم بأن نحافظ على هذا الإرث، وننقله كما وصل إلينا، بفخر واعتزاز.
كيف تسعين إلى إشراك الأجيال الجديدة في هذه الهواية؟
مشاركة الجيل الجديد أمر ضروري، وأسعى دائماً إلى نقل خبراتي إلى المجتمع النسائي من حولي. «الحداق» ليس فقط صيد سمك، بل هو تواصل مع تراثنا. كما أحرص على إحياء تراثنا البحري في قلوب أحفادي، أحكي لهم عن أجدادنا. وأعلمهم ليس فقط الصيد، بل الكلمات والمفردات التراثية، مثل: «السجي» وهو المد، و«الثبر» وهو الجزر. «التدمينة» وهي طريقة صيد معينة. هذه لغة يجب أن نحافظ عليها، لأنها تربطنا بتاريخنا. أريد المساهمة في استدامة تراثنا البحري وإبقائه حياً.