#تكنولوجيا
كارمن العسيلي اليوم
في خُطوة تجسّد طموحات الإمارات؛ لتكون في صدارة الثورة الرقمية العالمية، أطلقت أبوظبي مشروع «Aion Sentia»، المدينة الذكية المعرفية، الأولى من نوعها في العالم، والمقرّر تشغيلها في المستقبل القريب. هذا المشروع الطموح، يعتبر معلماً جديداً في مسار الإمارات نحو بناء مدن.. تُفكّر، وتتعلم، وتخدم الإنسان!
-
أبوظبي حيث تُصنع المدن ويتشكّل الغد
التكنولوجيا تفكر.. وتخطط
في مايو 2025، نشرت وكالة أنباء الإمارات (وام) تقريراً عن إعلان شركتَيْ: «Bold Technologies» التابعة لمجموعة «بولد القابضة»، و«My Aion Inc»، إطلاق شراكة استراتيجية لتطوير منصة «Aion Sentia» الإدراكية، وهي منصة من الجيل التالي للذكاء الاصطناعي، صُممت لإدارة، وتحسين أداء البنى التحتية الحيوية، مثل: التنقل، والطاقة، والتعليم، والرعاية الصحية والخدمات الرقمية. وتستند هذه المنصة إلى محرك الذكاء الاصطناعي «مايا»، المملوك لشركة «ماي أيون إنك»، وتعمل ضمن نموذج البناء والتشغيل والتحويل (BOT)، باستثمار ضخم قدره 2.5 مليار دولار. وقد تم اختيار العاصمة الإماراتية أبوظبي مقراً عالمياً للمشروع؛ لما توفره من بيئة تنظيمية متقدمة، ومعايير قوية للأمن السيبراني، وبنية رقمية متكاملة.
ماذا تعني «المدينة المعرفية»؟
تتجاوز «المدينة المعرفية» مفهوم المدن الذكية التقليدية؛ لتقدم نموذجاً حضرياً متكاملاً، يرتكز على الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتعلم العميق. فهي ليست مدينة مجهزة بالتقنيات والأجهزة، وإنما منظومة حيوية تفكّر، وتتعلم، وتتكيف باستمرار؛ لتلبية احتياجات سكانها بشكل استباقي. وعلى عكس المدن الذكية، التي تعتمد على الأتمتة، والتحليل بعد وقوع الحدث، تستخدم «المدن المعرفية» الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ لفهم سلوكيات الأفراد، وأنماط حياتهم. وهذا الفهم العميق يسمح لها بتقديم خدمات تنبؤية، تحسن جودة الحياة بشكل ملموس. على سبيل المثال، يمكن لنظام المرور أن يتوقع الازدحام قبل حدوثه، فيقترح مسارات بديلة، أو أنظمة الطاقة التي تتنبأ بالاستهلاك، فتعدّل نفسها تلقائياً؛ لضمان الكفاءة.
ووفقاً لمنصة «Middle East AI News»، تبرز مدينة «Aion Sentia» مثالاً على هذا التوجه الجديد؛ حيث ستُدار بنيتها التحتية - بالكامل - بواسطة الذكاء الاصطناعي، من المرور إلى الطاقة؛ بهدف رئيسي هو تحسين جودة الحياة اليومية للسكان. وتحت شعار «AI for Good»، تسعى المدينة إلى تمكين الجهات الحكومية من اتخاذ قرارات دقيقة وفعالة، بناءً على تحليل فوري للبيانات؛ ما يمثل نقلة نوعية في إدارة المدن، وتخطيطها الحضري.
الإمارات.. ريادة في الذكاء الاصطناعي
بحسب تقارير «ويكيبيديا»، و«Financial Times»، فإن مشروع «Aion Sentia» لا يأتي من فراغ، بل ضمن مسار ممنهج، تقوده الإمارات لرسم ملامح مستقبل الذكاء الاصطناعي، بدءاً من تأسيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي (MBZUAI)، أول جامعة بحثية من نوعها عالمياً، ثم تطوير نماذج لغوية، مثل «Falcon Mamba» من خلال معهد الابتكار التكنولوجي (TII) في أبوظبي. وتخصيص 13 مليار درهم، عبر استراتيجية أبوظبي الرقمية 2025؛ لتحديث الخدمات الحكومية بالذكاء الاصطناعي، وإطلاق مبادرات مثل «GOVTech 2025»، حيث نال مركز النقل المتكامل جائزة الابتكار؛ لاستخدامه التخطيط الذكي للمرور (traffictechnologytoday.com). وأخيراً، وليس آخراً، الاستثمار طويل الأمد في الذكاء الاصطناعي، من خلال شركة «MGX»، التي تستهدف إدارة أصول بقيمة 100 مليار دولار.
لكن السؤال، الذي يطرح نفسه هنا: لماذا نحتاج مدينة مثل «Aion Sentia»، اليوم؟
في عالمنا سريع التغير، تتوسع المدن، وتزداد تحدياتها، ويتطلع السكان إلى جودة حياة أفضل. من هنا، تأتي أهمية «المدن المعرفية»، التي تمثل نقلة نوعية في طريقة عيشنا. فـ«المدن المعرفية» بيئة متكاملة، تتفاعل، وتتكيف مع احتياجات الإنسان. والحكومة الإماراتية تدرك أهمية الاستعداد للمستقبل، وتعتبر «المدن المعرفية» الحل الأمثل لمواجهة التحديات المتزايدة، مثل: الازدحام المروري، واستهلاك الطاقة، والاحتياجات الصحية. وعلى عكس الأنظمة التقليدية، التي تستجيب للمشكلات بعد وقوعها، تستخدم «المدن المعرفية» الذكاء الاصطناعي؛ لفهم سلوكيات السكان، وأنماط حياتهم. هذا الفهم العميق يسمح لها بتقديم حلول استباقية وتنبؤية. على سبيل المثال، يمكن لنظام المرور أن يتنبأ بالازدحام قبل حدوثه، ويقترح مسارات بديلة، أو يمكن لنظام الرعاية الصحية أن يستشعر المؤشرات الأولية لأزمة صحية، ويقدم الدعم اللازم فوراً.
و«المدن المعرفية» لا تقتصر على الجانب التقني فقط، بل تركز أيضاً على الجانب الإنساني. فهي مصممة لتوفير بيئات مرنة ومريحة، تعزز الصحة النفسية والجسدية للسكان. ومن خلال تحليل بيانات البيئة المحيطة، يمكن للمدينة أن توفر مساحات خضراء، تقلل الضوضاء، وتصمم بنية تحتية تسهّل الحركة، والتفاعل الاجتماعي. والهدف هو أن يشعر كل فرد في المدينة بالراحة والأمان، وأن تتنبأ المدينة باحتياجاته، وتلبيها قبل أن يطلبها.
بهذه الطريقة.. لا يقتصر دور «المدينة المعرفية» على إدارة الخدمات، بل يتسع ليشمل تحسين الحياة اليومية بشكل مستمر؛ ما يجعلها ضرورة حقيقية؛ لمواكبة تطورات العصر، وتلبية تطلعات الإنسان الحديث!
-
أبوظبي حيث تُصنع المدن ويتشكّل الغد
إذن.. كيف سيستفيد الناس، فعلياً، من هذه «المدينة المعرفية»، التي ستبصر النور قريباً في أبوظبي؟
التحول نحو «المدن المعرفية» لا يعني إلغاء الإنسان، بل تمكينه. وبحسب التقارير التكنولوجية، التي وردت في موقع (PWC)، فإن لكل فئة في المجتمع عائداً ملموساً؛ جرّاء إنشاء «المدن المعرفية»، فالعائلات ستستفيد من بيئة تعليمية، وصحية، ذكية لأبنائها، وريادة الأعمال ستحظى ببنية رقمية، تدعم المشاريع الناشئة والابتكار، أما الطلاب، فسيكونون قادرين على الوصول إلى محتوى تعليمي مخصص وذكي. فيما المرضى سيحصلون على رعاية صحية تنبؤية، ومستمرة.
ولتبني هذا التحول بنجاح، نحتاج إلى:
• ثقة بالتقنية، وهذا ما تَضْمَنُه الإمارات، عبر بيئة آمنة، وشفافة.
• مراجعة مفاهيم الخصوصية؛ لحماية البيانات من دون تعطيل الكفاءة.
• تطوير المهارات البشرية، ويتحقق من خلال التعاون مع الجامعات الإماراتية؛ لتدريب الكفاءات على الذكاء الاصطناعي، كما أعلنت الشركات المطورة للمشروع.
وأكد دانييلي مارينيلي، الرئيس التنفيذي لشركة «My Aion Inc»، في التقرير الذي نشرته «وام»، في مايو 2025، أن انتقال عمليات الشركة العالمية إلى أبوظبي «يمثل بداية فصل جديد»، وأن الإمارات تقدم «الدعم المؤسسي، والبنية التحتية اللازمة؛ لنموٍ مسؤولٍ، واستراتيجي».