#سياحة وسفر
لاما عزت اليوم
عندما يُذكر اسم إندونيسيا، أول ما يتبادر إلى الذهن غالباً هو «بالي»، الجزيرة الساحرة التي باتت أيقونة عالمية للسياحة، بما تقدمه من شواطئ حالمة، ومنتجعات فاخرة، ومعالم تاريخية تروي حكايات لا تنسى. لكن خلف هذه الشهرة العالمية، هناك وجهة أخرى أقل اكتظاظاً، وأكثر فرادة، كومودو الأرخبيل الذي يجمع بين الأسطورة والطبيعة، وبين المغامرة والهدوء، في مشهد يفتح الأبواب أمام تجربة لا تشبه غيرها.. في هذه الرحلة، نبدأ من كومودو، أرض التنانين والمياه المتلألئة، قبل أن نعود إلى بالي، حيث تجتمع الروحانية والترف في مزيج يُلخص جوهر إندونيسيا.
-
«كومودو» و«بالي».. جزيرتان تكتبان فصلاً جديداً في ذاكرة السفر
كومودو.. أرض الأساطير والمغامرة
تقع كومودو في نوسا تينغارا الشرقية، وهي بوابة إلى حديقة كومودو الوطنية، المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو. هنا، تتلاقى عناصر البرّ والبحر؛ لتكوّن واحدة من أكثر الوجهات إثارة على سطح الأرض. حين تطأ قدماك أرخبيل كومودو؛ ستشعر بأن الزمن قد تراجع خطوته، وأن الأساطير لا تزال تسكن الأرض. فالهواء هناك يعبق برذاذ البحر المُرافق لأمواج شفافة، والسماء تترامى فوقك بلا حدود، كأنها مرآة لا تنكسر. وعلى ضفاف بلدة لابوان باجو الساحرة، يقف «AYANA Komodo Waecicu Beach» كقصيدة معمارية مفتوحة على البحر. فالمنتجع هو الأول من نوعه بـ«خمس نجوم» في منطقة نوسا تينغارا الشرقية، ومصمم ليكون امتداداً للطبيعة أكثر من كونه بناءً منفصلاً عنها. وتمتد غرفه الـ205، وجميعها بواجهات زجاجية واسعة وشرفات خاصة تفتح على زرقة البحر اللامتناهية؛ لتجعل لحظة الاستيقاظ مشهداً سينمائياً آسراً. كما أن الفضاءات الداخلية أنيقة، وتعتمد على خطوط عصرية بسيطة، تنبض بدفء مستوحى من ثقافة فلوريس. في الخارج، ينساب الرصيف البحري كجسر نحو الأفق، بينما يدعوك المسبح اللامتناهي إلى الغوص في انعكاس السماء، ما يمنحك إحساساً بأنك ضيف على البحر نفسه، وأن كل لحظة، هنا، جزء من حكاية تبدأ عند الشاطئ، ولا تنتهي عند الأفق.
-
«كومودو» و«بالي».. جزيرتان تكتبان فصلاً جديداً في ذاكرة السفر
لقاء مع «تنين كومودو»
في هذه الجزر البركانية، ليست هناك تجربة تضاهي الوقوف وجهًا لوجه أمام «تنين كومودو»، الكائن الأسطوري الذي لا يزال يتجول في موطنه الطبيعي وسط الجزر البركانية. إنه أضخم سحلية في العالم، ويتجاوز طوله الثلاثة أمتار، ويزن أكثر من 160 كيلوغراماً، كما أنه يتحرك ببطء مهيب؛ كأنه وريث لعصور ما قبل التاريخ. ويرافق الزوارَ حراس محليون، متمرسون، في جولات منظمة، حيث تظهر التنانين وهي تتجول بين الأشجار الكثيفة، أو تستلقي على الأرض تحت أشعة الشمس، في مشهد يثير مزيجاً من الدهشة والرهبة. والناس يأتون من مختلف أنحاء العالم إلى حديقة كومودو الوطنية، ليس لرؤية حيوان نادر وحسب، بل ليعيشوا لحظة استثنائية تضعهم أمام أسطورة حيّة. إن مشاهدة التنين، في بيئته الطبيعية، تمنحك شعوراً غامراً بأنك دخلت صفحة من كتاب التاريخ الطبيعي، وتلمست بقايا عالم اندثر قبل ملايين السنين. الرحلة إلى كومودو، بهذا المعنى، ليست مجرد مغامرة سياحية، بل عودة إلى أصل الحكاية، وإلى الطبيعة في أصدق صورها، وأكثرها قوة.
-
«كومودو» و«بالي».. جزيرتان تكتبان فصلاً جديداً في ذاكرة السفر
من القمم إلى الشواطئ
كومودو ليست فقط للتنين، بل هي جزر تحمل مشاهد طبيعية أسطورية. ففي جزيرة بادار، يبدأ المسار بتسلق يستغرق حوالي ساعة ونصف، لكنه يكافئ الزائر بأحد أجمل المناظر البانورامية في إندونيسيا: (ثلاثة خلجان بألوان مختلفة، تتدرج شواطئها بين: الأبيض، والذهبي، والوردي). ومن هناك، يمكن للزائر أن ينزل إلى الشاطئ الوردي، وهو واحد من سبعة شواطئ وردية في العالم، لونت رماله فتات الشعاب المرجانية الحمراء؛ ليكون محطة مثالية للسباحة، و«السنوركلينغ». إن المكان أشبه بلوحة سريالية مفتوحة على البحر؛ فالمياه الفيروزية تتدرج في صفائها، والرمال الوردية تعكس أشعة الشمس؛ فتمنح المكان بريقاً حالماً. هنا، يجد الزائر محطة مثالية للسباحة أو الغطس بـ«السنوركلينغ»، حيث تكشف الأمواج الشفافة عن شعاب مرجانية غنية، وأسماك ملونة تسبح قرب الشاطئ. لكن ما يميز هذه التجربة ليس فقط جمالها البصري، بل الإحساس النادر بأنك أمام معجزة طبيعية نادرة الحدوث، تجمع بين البر والبحر في لوحة واحدة.
-
«كومودو» و«بالي».. جزيرتان تكتبان فصلاً جديداً في ذاكرة السفر
عوالم البحر
المياه المحيطة بكومودو جزء من المثلث المرجاني، فالمنطقة تضم أكبر تنوع بحري في العالم. والغوص، هنا، ليس مجرد نشاط، بل رحلة إلى عوالم مدهشة من المرجان، وأسماك المانتا، والسلاحف البحرية. في «تاكا ماكاسار»، الجزيرة الصغيرة التي تشبه الرقم «9»، تتجلى هذه العوالم بصفاء نادر، حيث يسبح الغواص بين شعاب مرجانية نابضة بالحياة.
مطبخ متنوع.. وأمسيات حالمة
في «أيانا كومودو»، تتجاوز الضيافة فكرة الإقامة؛ لتصبح رحلة متكاملة من الحواس. يبدأ النهار بمائدة إفطار، تُنْسَجُ بين البساطة المحلية والتنوع العالمي؛ حيث تتجاور الفواكه الاستوائية مع المخبوزات الطازجة، وأطباق الأرز البسيطة، في انسجام يعكس روح الأرخبيل. ومع حلول المساء، تتحول المطاعم إلى مسرح للتذوق، تُقدَّم فيه المأكولات البحرية، التي جلبها الصيادون المحليون في صباح اليوم نفسه؛ فتكون المأكولات الطازجة جزءاً من الحكاية. أما السبا، فيستمد قوته من طبيعة الجزر، حيث تُستخدم الأعشاب المحلية، والحجارة البركانية في طقوس علاجية، تُعيد إلى الجسد توازنه، وإلى الروح صفاءها. وبينما يُعيد البحر تشكيل تفاصيل التجربة، يعمل «المركز البحري» على تعريف الضيوف بعوالم الشعاب المرجانية، وحماية الحياة البحرية؛ فالإقامة هنا ليست ترفيهاً فحسب، بل مشاركة واعية في الحفاظ على هذا الجمال النادر.
-
«كومودو» و«بالي».. جزيرتان تكتبان فصلاً جديداً في ذاكرة السفر
الإبحار مع «أسطول أيانا»
سحر كومودو يبلغ ذروته في البحر؛ حيث يمتلك «المنتجع» أسطولاً من اليخوت الفاخرة، أبرزها «Lako di’a»، وهو يخت تقليدي بطول 54 متراً، يقدم رحلات تمتد من يوم واحد إلى أيام عدة، بين جزر: «كومودو، ورينكا، وبادار». وعلى متنه، تتناغم رفاهية الكبائن الفاخرة مع مغامرات الغوص، واليوغا على السطح، وحفلات العشاء تحت النجوم.
رحلة بين جزيرتَيْن.. في أقل من ساعة
لأن سحر إندونيسيا يكمن في تنوع جزرها، فإن الانتقال بين كومودو، وبالي، ليس مجرد وسيلة سفر، بل تجربة في حد ذاته. ورحلة الطائرة الداخلية لا تستغرق أكثر من خمسين دقيقة، لكنها تختصر مسافة بين عالمين مختلفين: من أرخبيل التنانين والشواطئ الوردية في «لابوان باجو»، إلى الجزيرة الخضراء المفعمة بالحياة في بالي. وخلال هذا الانتقال السريع، يطل البحر من تحت جناح الطائرة بلونه الأزرق المتدرج؛ لتشعر بأن السماء والمحيط قد اتفقا على أن يكونا جزءاً من رحلتك. وهكذا يصبح السفر بين الوجهتين خطوة طبيعية في مسار تجربة واحدة، تتنقل فيها بين: المغامرة والترف، بسلاسة.
-
«كومودو» و«بالي».. جزيرتان تكتبان فصلاً جديداً في ذاكرة السفر
بالي.. لحن الطبيعة الاستوائية
إذا كانت كومودو مغامرة البرّ والبحر، فإن بالي تمثل الوجه الآخر لإندونيسيا: (جزيرة الفن والضيافة). فهي تقف بين أشهر الوجهات السياحية في العالم، بجمال شواطئها، وغاباتها المورقة، وطقسها الاستوائي المعتدل على مدار العام. إن الجزيرة لا تُعرف فقط كمحطة للاسترخاء، بل أيضاً كفضاء نابض بالأنشطة الطبيعية، من مشاهدة الغروب على خليج «جيمباران»، إلى التجوّل بين مدرّجات الأرز، والحدائق الاستوائية. نعم، إنها وجهة يجد فيها كل زائر سبباً خاصاً؛ ليعود إليها.
من الطبيعة إلى الضيافة
على بعد 20 دقيقة فقط بالسيارة، عن مطار «نغوراه راي» الدولي، يقف «أيانا بالي» على خليج جيمباران كأكبر منتجع متكامل على الجزيرة، ممتداً على مساحة 90 هكتاراً، ليبدو كأنه عالم قائم بذاته. فيضم أربعة أقسام متكاملة، هي: فلل خاصة للباحثين عن الخصوصية، ومنتجع رئيسي يفيض بالأناقة الكلاسيكية، وجناح عائلي مثالي للأطفال والرحّالة الصغار، وإضافة عصرية جديدة تفتح على البحر مباشرة. وتم تصميم المكان؛ ليعكس فكرة المدينة الصغيرة داخل الجزيرة، حيث تتجاور المساحات الخضراء مع برك السباحة، والحدائق الاستوائية؛ لتقدّم للضيف مزيجاً متوازناً من الراحة والرحابة.
ثقافة حية
وسط «المنتجع»، يحتل متحف «ساكا» مكانة خاصة. فالمتحف، الذي حصد جائزة «Prix Versailles»، كأحد أجمل متاحف العالم لعام 2025، يقدم معارض عن فنون الريّ البالية «سوباك»، المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، في رحلة ثقافية معاصرة، تحتفي بجماليات الحياة البالية، وفنونها. وللعائلات، صُممت مساحات تعليمية وترفيهية للأطفال، تتيح لهم اللعب والتعلّم في أحضان الطبيعة. إنه أكثر من متحف؛ إنه نافذة على فلسفة حياة كاملة.
-
«كومودو» و«بالي».. جزيرتان تكتبان فصلاً جديداً في ذاكرة السفر
نكهات البحر.. والحديقة
لا تكتمل التجربة دون رحلة مذاقية في المنتجع، الذي يضم أكثر من 30 مطعماً، تتنوع بين المأكولات الإندونيسية التقليدية، والأطباق الآسيوية والعالمية. ويظل المطبخ البحري علامة فارقة، إذ تصل الأسماك الطازجة، يومياً، من الصيادين المحليين؛ لتُقدَّم بأبسط وأشهى الطرق. أما وجبة الإفطار، فتتحول إلى وليمة ملونة بالفواكه الاستوائية، والعصائر الطبيعية، والمخبوزات الطازجة، في مشهد يجمع بين تنوع الجزيرة، وغناها الطبيعي.
العافية فوق الأمواج
الحضور في المنتجع لا يقتصر على الغرف، والمطاعم، بل يتعداها إلى تجارب تُثري الإقامة. ففي «أيانا سبا»، أحد أضخم مراكز العلاج بمياه البحر في آسيا، تتناغم العلاجات التقليدية مع صوت المحيط في جلسات استرخاء معلّقة فوق الصخور، تطل مباشرة على المحيط. هنا، يندمج صوت الأمواج مع طقوس العافية التقليدية؛ ليمنح الضيف حالة من الصفاء الروحي، والجسدي.
-
«كومودو» و«بالي».. جزيرتان تكتبان فصلاً جديداً في ذاكرة السفر
رحلة بين المغامرة والسكينة
إن زيارة إندونيسيا تعني عَيْشَ تجربة متكاملة، تبدأ من اكتشاف الطبيعة البرية في كومودو، وتمتد إلى رحاب الضيافة الفاخرة في بالي، حيث تلتقي المغامرة والاسترخاء. هنا، ستحمل معك ذكريات مشبعة بجمال البحر والغابات، وبمذاقات استوائية، وتجارب عافية؛ لتعود بنظرة جديدة إلى الحياة، أكثر صفاءً، وإلهاماً.