اليوم.. لماذا يسعى الآباء إلى جعل غرفة المعيشة مركز حياتهم الأسرية؟
#تنمية ذاتية
زهرة الخليج - الأردن اليوم
بدأ مفهوم جديد يطفو على سطح الحياة العائلية الحديثة، يُعرف باسم «الأسرة التي تجتمع في غرفة المعيشة»، وهو مفهوم يعيد تعريف دفء البيت وروح المشاركة، بعيداً عما سببته العزلة الرقمية، حيث يتحول المكان الذي يجتمع فيه الجميع، مثل: الأريكة والطاولة أو حتى زاوية بسيطة في المنزل، إلى مركز للحياة اليومية، والتواصل الإنساني.
ولم يعد التجمّع العائلي كما كان في الماضي، حول مائدة الطعام، أو في زيارات الأقارب الأسبوعية، بل أصبح أكثر بساطة ودفئاً، ويدور حول فكرة «الوجود» الحقيقي وليس الافتراضي. ومع تغيّر أنماط الحياة الحديثة، صار هذا النوع من التواصل حاجة إنسانية وليس ترفاً اجتماعياً.
ما معنى «الأسرة التي تجتمع في غرفة المعيشة»؟
يشير هذا المفهوم إلى العائلة، التي تعتبر المساحات المشتركة في المنزل، مثل: غرفة المعيشة أو الجلوس، محوراً للحياة اليومية، لا مجرد ممرٍّ بين الغرف. والفكرة بسيطة لكنها ثرية بالمعاني، فالجلوس معاً دون تخطيط مسبق، أو تبادل الأحاديث العابرة، أو مشاهدة فيلم، أو قراءة كتاب، أو حتى الجلوس بهدوء كلٌّ في نشاطه الخاص.
هذا الحضور الجماعي غير المقصود يسهم في إعادة بناء روابط عاطفية عميقة. فالطفل يشعر بالطمأنينة وهو ينجز واجبه في نفس المكان الذي تجلس فيه والدته تقرأ، أو يعدّ والده القهوة. إنها لحظات صغيرة لكنها تُراكم إحساساً بالانتماء، يصعب صنعه في غرف مغلقة خلف شاشات مضيئة.
دفء المساحة المشتركة.. كيف يؤثر هذا النمط في الأطفال؟
تؤكد الأبحاث النفسية أن الأطفال الذين يعيشون في بيئة منزلية دافئة ومترابطة، يكونون أكثر قدرة على التعبير عن أنفسهم، والتعامل مع الآخرين. وفي غرفة المعيشة، تحديداً، يتعلم الطفل مهارات الحياة الاجتماعية دون أن يشعر بذلك: كيف يُنصت، ومتى يتحدث، وكيف يتفاعل مع الآخرين.
والمشاهدة الجماعية لبرنامج تلفزيوني، مثلاً، قد تفتح حواراً عفوياً حول قضايا أخلاقية، أو إنسانية. واللعب المشترك يعزز روح التعاون. وحتى الجلوس الصامت في حضور الوالدين يمنح الطفل إحساساً بالأمان والانتماء. كما أن هذا النمط يساعد في تطوير «الذكاء الاجتماعي»، إذ يتعلم الطفل من ملاحظة التفاعلات بين الكبار، وكيف يُدار الحوار، وتُحل الخلافات، ويُعبّر عن العواطف بطريقة ناضجة.
الرفاه العاطفي للمرأة في قلب هذا النمط العائلي:
غالباً، تكون المرأة القلب النابض لغرفة المعيشة، فهي تضبط الإيقاع، وتزرع التفاصيل التي تجعل المكان حياً ودافئاً، وتصنع من الروتين مساحة للتواصل. هذا النمط لا يحمّلها مسؤولية إضافية، بل يمنحها فرصة لاستعادة دورها الطبيعي كمصدر توازن ودفء عاطفي للأسرة.
وتخصيص ركن صغير للقراءة، أو إعداد جلسة شاي مسائية مشتركة، أو إشعال شمعة عطرية، تفاصيل بسيطة تصنع فارقاً في الإحساس بالمكان، وتحوّل المنزل من «مساحة سكن» إلى «مساحة حياة».
كيف تصنعين غرفة معيشة تضم الجميع؟
لإنشاء «غرفة معيشة عائلية»، لا تحتاجين إلى مساحة فخمة أو ميزانية كبيرة، بل إلى نية حقيقية لجعل المكان مُرَحِّباً ودافئاً. ابدئي بتخصيص ركن لكل فرد: زاوية قراءة صغيرة، أو طاولة للألعاب، أو وسائد أرضية يمكن للأطفال استخدامها للرسم أو اللعب. استخدمي الإضاءة الدافئة بدلاً من الإضاءة البيضاء الحادة، وأضيفي لمسات من النباتات الطبيعية التي تبعث الهدوء.
واحرصي، أيضاً، على أن تكون التكنولوجيا ضيفاً وليست محوراً في هذا المكان، اجعلي التلفزيون وسيلة للترفيه المشترك لا سبباً للعزلة. ويمكنكِ وضع سلة صغيرة؛ لحفظ الأجهزة أثناء «وقت العائلة»؛ ليبقى التركيز على التفاعل البشري الحقيقي.
الوجود أهم من التخطيط:
أحد أجمل جوانب «الأسرة التي تجتمع في غرفة المعيشة»، أنها لا تحتاج إلى طقوس معقدة، أو مواعيد محددة. فمجرد وجود الأهل في المكان نفسه كافٍ للإحساس بالدفء. الأب يعمل على حاسوبه في زاوية الغرفة، والأم تطالع مجلة، والطفل يلوّن. وجميعهم يتشاركون لحظة غير معلنة من التفاعل الهادئ. وليس المقصود هنا أن تكون العائلة معاً طوال الوقت، بل أن تُبقي نافذة الوجود المفتوح بين أفرادها. وهذا الحضور المتبادل يصنع ما يشبه «الإيقاع العاطفي»، الذي يربط أفراد الأسرة حتى من دون كلام.