لاما عزت 22 مايو 2018
في المقال السابق تحدثنا عن تطور آلات التوثيق، وكيف أنهت الأشرطة الممغنطة مجد الأسطوانة، حتى أصبحت شكلاً تراثياً نادراً، وكيف قضى الـ«سي.دي» على طموح الأشرطة الذي عاش عقوداً عديدة، وهذا ما حدث أيضاً بأشرطة الفيديو القديمة والتي تحتوي على تاريخ عند الأسر، التي صورت فيها أبناءها صغاراً ولم تَعُد هناك آلات لعرض هذه الأشرطة. واختراع الغرب لليوتيوب، جاء مُنقذاً لـمَـا انقرض من اختراعات سابقة في مجالي الغناء والموسيقى، ويعتقد الكثير من المطربين والشعراء وأصحاب الطُّرَف والنِّكات، أن عُروضهم فيه خالدة، مُتناسين ما قد تأتي من اختراعات تقضي على ما هو متواجد الآن بيننا، ويكفي أن الاختراعات الكثيرة جعلت الكثير من المشاهدات تختفي وتتلاشى مع مرور الزمن، فهناك أكثر من عشرين مليون إضافة يومية في اليوتيوب. من هنا جاءت فكرة أن الكتّاب والشعراء أكثر حظاً من الفنانين، حيث إن المتنبي وشعراء المعلقات منذ أكثر من ألف وأربعمئة سنة، ولم تَزَل قبورهم قابلة للفتح، واللقاء مع الشاعر والكاتب قابل للتحقيق، بأي وقت يُقْدم فيه القارئ على فتح الديوان أو الكتاب، وعلى قدر قوة وجمال القصيدة سيعيش القارئ مع الشاعر، وعلى قدر نجاح الكاتب وقوة فكرته ستُلامس القارئ. قد يظن البعض أنني لست على قناعة بما تحققه وسائل التواصل الاجتماعي الآن، فالقناعة موجودة ولكنها مشروطة بألّا تكون المطاف الأخير، والكاتب والناقد لا بد أن يضعا أفكارهما في كتاب قابل للصمود مع أي تطور علمي، إضافة إلى الوسائل الحديثة المتعارف عليها الآن. وعودة لفكرة أن الكاتب أكثر حظاً من الفنان ولاعب الكرة على المدى الطويل، فعلى الرغم من شهرة المطرب ولاعب الكرة الكاسحة للكتّاب والشعراء، إلّا أن أعماره الإنتاجية ستتوقف يوماً ما وتبقى الذاكرة الموثّقة، فمحمد صلاح هذا اللاعب الباهر حقاً يسيطر على الإعلام تقريباً، وأذكر أن اللاعب الهولندي يوهان كرويف كان كذلك يوماً ما، وعلى الرغم من تواجده في اليوتيوب، إلا أن الأجيال الحالية لا تعرفه، حتى أعظم الإنجازات العربية في الغناء أمثال أم كلثوم، فهي غير معروفة أو لنكون أكثر دقة، لا تشكل تلك النجومية لمن عرفوها سابقاً عند الجيل الحالي، ولكن أحمد شوقي بقي قبراً قابلاً للفتح، وبقي كفَنَاً قابلاً للتمزيق والالتقاء به. عزيزي الشاعر، الكاتب، الناقد، المفكر.. احرص على تخليد ذكراك بكتاب، ولا ترضى بلقاء أو حوار، إنها كما قال عنها العقّاد، ثقافة في الهواء، فهي غير خالدة كما يتمناها الكاتب، لهذا اجعلوا لكم قبوراً بعد رحيلكم قابلة للفتح، واضربوا لكم موعداً من التاريخ، فمواعيده قادمة بكل تأكيد، ولن نكون حاضرين فيها، ولكننا سنترك قبورنا قابلة للفتح. إنّ عُمْري مثل عُمرِ العطرِ أو عُمرِ الفراشاتِ إذا الحقُّ لهبْ وطموحي رابِعُ العنقاءِ والغولِ وخلٌّ في زمانِ الغدرِ كالفرضِ وَجَبْ *** وحروفي لم تَزَلْ تحفرُ بحثاً عن خلودٍ في جدارٍ للأدبْ وعلى الأفق خيالي طار للنجم من الشمس اقتربْ لا خيالي شحَّ أو عَزْمي توانَى واحْتَجَبْ