#ثقافة وفنون
كريم معتوق 25 يوليو 2019
هناك ما لا أعرف تسميته أو تعريفه، هل هو سلوك أم ماذا؟ على الرغم من وجوده بكثرة في التصرفات البشرية، وعلى نسق كان وأخواتها أردت أن أضع عنوانه الجهل وإخوانه، أو الجهل وأعوانه.
أعني هنا الجهل، وهو نوعان جهل مكتسب وجهل بالفطرة، المكتسب الذي يناله الإنسان من مصاحبة الجهلاء في تصرفاتهم، والفطري هو الذي لم يتسنَّ لصاحبه أن يحصل عليه من المجتمع أو المدرسة أو الكتب.
ومما يميز هذا السلوك (الجهل) أنه يتجاوز إلى غيره من الحالات، فالجهل نادراً ما يكون منفرداً، وغالباً ما يرتبط بشريك فيشكل حالة من الفشل أو حالة من السوء، فما صاحب هذا الشريك حالة إلا وخسف بها وشوهها.
فحين يكون الفقر حالة اجتماعية لا يشكل ضرراً، ولكنه حين يشارك الفقر الجهل قد تنتج عنه الجريمة، وفي الوقت ذاته فإن الغنى حالة اجتماعية معاكسة للفقر، ولكنه حين يجتمع الجهل مع الغنى فإن سلوكيات منفرة كثيرة قد تحدث، من الإسراف ومن الضياع ومن سوء التصرف. والجهل كما أشرت هو شريك سيئ بطبعه، ولكن سوءه أكثر ما يظهر حين يرتبط مع الحالات الطيبة منفردة، فالدين أمر محبب ومحمود، ولكن حين يجتمع الدين مع الجهل، ترى الإرهاب والعنف الذي لم يقل به الدين، وتجد سلوكاً غير أخلاقي تحت عباءة الدين الموجه الأول للأخلاق.
وحين يرتبط الجهل مع الكرم ترى الإسراف غير المحمود، حتى يخلع الكرم ثوبه ويرتدي ثوب السفاهة، وحين يشارك الجهل السلطة فإن الظلم والقهر هو النتيجة الحتمية، فحين يكون الموظف غير سعيد بعمله، فإن الجهل قد يكون هو المرافق للمسؤول الذي تكون تصرفاته منفرة للموظف ومتسلطة عليه، بينما المسؤول العاقل يكون الموظف سعيداً ومنتجاً.
فالجهل حين يسير وحده لا يشكل ضرراً، لأنه لا يعرف السير منفرداً، فهو في غالب أمره يرتبط بالآخرين، فحين يصاحب الجهل الجار، فيجهل الجار حقوق الجار يكون جاراً سيئاً وفراقه أو مقاطعته أوجب، وحين يصاحب الجهل صديقاً فإنه لن يكون صديقاً بكل تأكيد، وحين يتحد الجهل مع الطيبة فإنه يفسد تلك البراءة، وكما قال الشاعر:
ودع ضميرك يحذر من براءته ففي البراءات مدعاةٌ إلى الزللِ
فالجهل إذن هو السلوك الذي لم أستطع أن أحدد له تعريفاً في البدء، يدخل شريكاً في سلوكياتنا الطيبة والمحببة فيخسف بها، ويحولها إلى سلوكيات منفرة، فهو شريك السوء، الذي تحذرنا منه الكتب والمرويات، ويحذر منه الوالدان أبناءهما، حين يقال لهم إياكم وشريك السوء. لم يقل الوالدان لابنهم من هو شريك السوء، إنه الصديق الجاهل الذي قد يأخذ الابن إلى طريق التهلكة.
شـعر
رأيتُ الجهلَ في الآفاقِ يسري
سلاماً لا عرفتٌ العلمَ فضلاً
فلا علمٌ ولا عهدٌ ولا ما
ولا أتقنته حتى حطاما
ولا ما يُرتجى منها لجيلٍ
حطاماً للبناء إذا أردنا
لخيَّر مدَّ صحبتها غراما
وإنْ لم نشتهِ يعلو ختاما
غرامٌ ينتقى أو لا يراعي
ختامٌ ليس في عينيه حقدٌ
فإن الجهلَ محتكمٌ سلاما
ولا جهلٌ ليرفعه مقاما