#منوعات
إشراقة النور 29 ابريل 2023
عبر الخيال، قهر الكاتب الإماراتي والسيناريست عامر المهري المستحيل، وحول به اللحظات الواقعية إلى عالم سحري، صنع به جدلاً إبداعياً بين اللامرئي والمعيش. بدأ شغف المهري برواية القصص في سن مبكرة للغاية، وعندما نضج اقتحمت حكاياه السينما، في أعمال إبداعية نقلت الكتابة إلى مشاهد تتدفق في العقل والوجدان، محدثاً دهشة بصرية استفزت المعايير الجمالية التقليدية.. «زهرة الخليج» التقت عامر المهري؛ ليطلعنا على تجربته الأدبية:
• متى عرفت، لأول مرة، أنك تريد أن تكون راوياً للقصص؟
- في الصغر، كان الواقع بالنسبة لي مملاً، ولا أنتمي إليه أبداً؛ فكنت أهرب - عبر بوابة الخيال - إلى عالم صنعته بخيالي، فأمكث بالساعات في الغرفة الهادئة في بيتنا، أترك جسدي في الواقع، وأسبح في سماء الخيال البديع والواسع؛ فهناك أختار كل شيء بنفسي حتى أصدقائي الذين ألعب معهم، وأضيف إلى نفسي قوة خارقة، ناهيك عن الطيران باستمرار في فضاء الخيال. في مرحلة الطفولة، لطالما تمنيت أن أستطيع وضع جهاز في رأسي؛ ليسجل مغامراتي وصولاتي في عالم الخيال، لوهلة ظننت أننا أبطال في فيلم، وبكل ببراءة أسال أمي: متى سيعرض فيلمنا على التلفزيون؟ فتبتسم، وهي الشخص الوحيد الذي كان يسألني عن قصصي وعالمي الغريب، وتطلب مني أن أحكي لها، ولازلت أتذكر ضحكتها واستمتاعها بما أقول، وهي أيضاً أول من أدركت ميزاتي، وبفضلها كنت، ولطالما كانت هي الشخصية الرئيسية في عالمي المُتَخيل، وأنا أنزل الستار بعصاي السحرية؛ لأحقق لها أمانيها وأحلامها.
• كيف أثرت هذه الطفولة في إنتاجك الأدبي لاحقاً؟
- خلف قضبان روتين الحياة، والسعي وراء الامتثال للعرف والنظام المجتمعي، وقبل أن أنتقل إلى مرحلة الرشد وعالم البالغين؛ ربطت حبلاً حول باب الخيال، وعالمي الذي بنيته في طفولتي؛ كي أعرف به باب العودة إلى عالمي الجميل، وربما هذا ما يميزني اليوم؛ إذ تمكنت من إصدار 3 قصص للأطفال رسماً وكتابة، هي: قصة «مكرونيا» (تجيب على أسئلة الأطفال عن فيروس «كورونا» بأسلوب قصصي شيق)، وأيضاً قصة «عزبة حمد» (قصة ممتعة عن جمال بيئتنا الصحراوية، حيث تدور أحداثها حول أفراد عائلة تتعطل سياراتهم ليلاقيهم «حمد»، وتبدأ مغامرتهم معه)، وآخر الإصدارات «منى والصرناخة السحرية» (قصة شيقة خيالية عن حشرة «الصرناخة»، وتدور أحداثها حول انزعاجي من صوتها الصاخب، وما وصلت إليه من اكتشاف عن قواها).
• من أي المدخلات الواقعية تؤسس لقصص مؤلفاتك؟
- هي قصص مررت بها في حياتي، أجرّدها من ذاتيتي، وأبني عليها أحداثاً، ورحلة ألبسها سمة معينة، تتماشى مع رسالة القصة أو مغزاها.
• من أين تستمد إلهامك الفني؟
- كانت أمي تحدثني عن الله عزَّ وجلَّ، وأبهرني وصفها عنه، وعن أسمائه الحسنى. في تلك الليلة أغمضت عينيّ، وبدأت أتكلم مع الله، وأناجيه، وأصبحت أشاهد عظمته في كل تفاصيل الحياة، وهذا أعظم إلهام. أشعة الغروب الذهبية، دائماً، تحرك مفتاح صندوق الموسيقى السحري؛ حتى أسبح بخيالي بين أرفف الذكريات إلى عوالم جديدة أشعرها بداخلي، ولا أنسى طريق العودة من العزبة إلى البيت فدائماً يكون قبيل الغروب، ودائماً أسترق النظر إلى النافذة، وأشاهد مشهد الغروب حتى إن كان دوري في إمساك دلو حليب الإبل، حتى لا يسكب من حركة السيارة. الصحراء، أيضاً، مصدر إلهام بالنسبة لي، ولا أنسى السفر إلى مدن جديدة، فهي تحيي بداخلي الحماسة لكتابة شيء جديد.
• من وجهة نظرك.. أين يكمن حل مشكلة ندرة النصوص الدرامية؟
- لا أرى أن هناك ندرة في النصوص الدرامية، لكن ندرة النصوص تكمن في أصالة الكاتب، وجودة قلمه، فالنصوص تولد كالأشخاص. هناك الكثير من الكتاب، لكنَّ نصاً واحداً فقط هو خلاصة قريحة الكاتب الأدبية، ويحكي تاريخه، وعندما يعود إلى وكره؛ ليبحث عن نص آخر جديد؛ يتفاجأ بأن نبعه قد جف، ويُدخله القدر في دولاب التكرار، ولا يستطيع الاقتراب حتى من نصه الأيقونة الأولي، وفيه تخلق النصوص مع أشخاصها ليخلدوا معاً في قلوب وأذهان البشرية، ويقلدوا تاج الإبداع لقرون طوال.
• كيف وجدت تجاوب المتلقي مع ما تأتيه به من عوالمك الخيالية؟
- في الخيال كنوز من الإبداع، وعندما نشاركه قاطني الواقع يندهشون ويستمتعون ويبكون ويمرحون، وهذه هي البوابة التي ينهل منها الكتاب والفنانون والأدباء أعمالهم؛ ليستخدموها في توصيل همومهم وأفكارهم وأحلامهم وتعابيرهم؛ فيصبحوا جزءاً مهماً من ديمومة المجتمعات، وتكوين الحضارة، خاصة الناجحة والمتقدمة.