#مقالات رأي
لولوة المنصوري اليوم
الجبل الوحيد المتسع على مرمى بصر العين، يبدو حُراً من سلسلة جبال الحجر، منشق منذ أزمنة التكوين والزلازل، انعزل كحكيم يكتب ضوء صلاته في المدى، فتشكّلت الواحات من حوله والينابيع الجوفية، تكوين صخري مُهيب يُحرّك الخيال وحدس الروح نحو التماس مجازي مُطلق، هو (حوتٌ على الشاطئ) كما وصفته د. فاطمة البريكي في كتابها القصصي المخصص للطفولة، أليس هو تصور لمّاح، وقراءة راصدة بذكاء لتفاصيل التجاعيد الصخرية لجبل حفيت، والتضاريس الصاعدة على أرض مدينة العين في دولة الإمارات العربية المتحدة؟
من يتأمل جبل حفيت جيداً ومن بُعد بصريٍّ حاذق، يعثر على صورة ذلك الحوت المتمدد باسترخاء بين واحات مدينة العين.
تحتاج العين إلى الهدأة دائماً لكي تلمح كل الكيانات العابرة، وتتصل بلحظة الانخطاف بجمال الأشياء الدقيقة والعظيمة الضخمة، وهذا مُسوِّغ الكتابة هنا، فبعض الأشياء من حولنا من هول ضخامتها لا ننتبه لها، وإنما نكون نحن العابرون فيها ومن حولها والتائهون في البحث اليومي عن تفاصيلنا المجزأة في الأشياء المركونة بعيداً.
حين نسكنُ في ضخامة الشيء نتوه فيه إلى درجة نسيان تفاصيله، أو تتلاشى ذرات وعينا المُدرَك عن جزيئات تكوينه، وهذا ما يحدث أثناء العيش في الجبال، تُريد العين أن تتبع سخاء الطبيعة وتعبث في المحيط الصخري النافذ نحو بوابات التشكيل الأسطوري، فالمدى أزرق ناضج بالصور والظلال، والشمسُ هناك تُحرِّك الكائنات بانسيابية خرافية، تتجاوز الساكن وتُحرّك الرحلة نحو الوفرة والحظ السعيد للبصيرة.
أجل.. إنها البصيرة التي تُفلحُ دائماً بإعطائك المدى في أبهى أشكاله الميتافيزيقية. وترسم النور مُتدفقاً بشلال الشمس منذ الصباح الباكر إلى الزوال، ولا شيء مركون في حيزه، الطريق الأفعواني يمتد بالجلاميد الصخرية المُهيبة، بينما نحن في مفترق الطرق نحاول التقاط بوصلة التأويل والمخيلة، تأويل أشكال وجوه الجبل وملامحه المتذبذبة والمتحللة منذ أزمنة تكوين الكوكب.
وها هي تتجسد على مرمى البصر وتتخذ من اندماج الأشكال الحيوانية والإنسية ملمحاً سوريالياً بارزاً لها، ويتوحد توصيفها في وعينا الجمعي العالمي، أشبه بكتل صخرية ضخمة منصهرة، قذفتها فوهة البركان، كُتل متجمدة منذ عصور جيولوجية سحيقة، تشكّلت على هيئة أمم بائدة، أهي أمم بشرية أم حيوانية أو كيانات ضخمة ناتجة عند اندماج خلْقي بين الأمتين؟!
الرّيح تفتحُ باب الأثر، تيار الهواء العظيم دليلنا، ثم الظل يأتي بمدّه الربّاني الجليل، ليرسم بريشته تضاريس الوجوه الصخرية وتجاعيد الزمن.