#تكنولوجيا
لبنى النعيمي اليوم 09:00
المرأة المتميزة لا تنتظر الفرص، بل تصنعها، وترسم مستقبلها بالعلم، وتترك بصمتها في كل مكان تمرّ به. لهذا يُقال: إن بعض الشخصيات لا تحتاج إلى استئذان لتدخل القلب، وهذا تماماً ما تفعله الدكتورة فاطمة الملا. فيكفي أن تُنصت إلى طريقتها في الحديث عن البحث العلمي؛ لتدرك أنك أمام عقل متّقد، لا يُبهر بالألق، بل يبنيه. أليست كلمة «عالمة» وحدها كفيلة بأن تثير الإعجاب؟!.. لكنَّ ما يحمله حضورها من عمق وإنجاز، يفتح أمامنا أسئلة أكبر عن جوهر هذه التجربة الإماراتية الملهمة. فبين أروقة أعرق الجامعات العالمية، لم تكن غاية الدكتورة فاطمة الملا تكديس الشهادات، بل بناء منظومة معرفية، تخدم وطنها. وخلال سنوات الاغتراب، التي تحوّلت في يدها إلى أدوات للابتكار؛ لأنها لا تسعى إلى الضوء بل تصنعه، اختارت الشابة الإماراتية أن تتخصص في مجال نادر، هو «الهندسة البيوكيميائية الصناعية». وأسهمت، مباشرة، في تطوير لقاح مضاد لفيروس أوقف العالم، ومنعه من التحرك؛ لتكتب فصلًا علميًا قويًّا.
-
أقراط Alba Forever / عقد Alba Signature / سوار Alba Forever / خاتم Alba Forever.. جميعها من Sartoro - عباية من Mauzan
ابنة أم القيوين، التي تربّت في بيت يقدّس العلم، كانت بين العشرة الأوائل على مستوى الدولة في «الثانوية العامة»، ثم أكملت دراستها في لندن، ونالت «الدكتوراه» من جامعة (UCL)، وتولت مناصب استراتيجية في ميلانو، قبل أن تعود إلى الإمارات بروح الباحثة لا الإدارية، وبقلب ابنةٍ تنتمي، وتبادر.. في هذا الحوار الخاص، تتألق الدكتورة الإماراتية فاطمة الملا على غلاف عدد سبتمبر من «زهرة الخليج»، متزينة بمجوهرات دار «سارتورو» (Sartoro)، الراقية، ولا نكتفي فقط بسرد إنجازاتها، بل نحاول الإصغاء إلى ما بين السطور؛ لمعرفة كيف صنعت لنفسها هذا الموقع العلمي المتميز، وما الذي يجعلها تحمل الوطن في خطابها العلمي، وتَغْزِلُ من هويتها خريطة طريق نحو الريادة:
أول مختبر للنجاح
عندما تتذكرين طفولتك.. ما اللحظة التي شعرتِ فيها، لأول مرة، بأن لديك شغفاً بالعلم والابتكار؟
لم تكن هناك لحظة واحدة حاسمة، بل سلسلة من اللحظات الصغيرة، المتناثرة كحبات ضوء في ذاكرتي، شكّلت - مجتمعةً - نداءً داخلياً لم أفهمه حينها، لكنني استجبت له بفطرتي. كنتُ طفلة لا تكتفي بالحفظ أو التلقين، بل تسأل، ليس اعتراضاً، بل رغبةً في الفهم. أتذكر أنني كنت أراقب الأشياء من حولي بعين غير عادية؛ فلم يكن ذوبان السكر في الشاي مجرد اختفاء، بل معجزة تستحق أن تُفهم. لماذا يتغير لون الحديد؟.. كيف يتشكل البخار؟.. كانت هذه التفاصيل اليومية تُحفز داخلي أسئلة أكبر من عمري. وفي المدرسة، لم يكن يكفيني أن أنجح في العلوم، فقد كنت أحتاج أن أعرف «لماذا؟» خلف كل معلومة. أعتقد أن هذا ما فرّق بين حب الدراسة وحب العلم؛ فالأول مرتبط بالدرجات، والثاني مرتبط بالدهشة. ومع الوقت، أدركت أن هذا الفضول ليس طارئاً أو عابراً، بل متجذّر، وأن شغفي لا يكمن في الوصول إلى الإجابات فحسب، بل في متعة اكتشافها. ومن هنا بدأت علاقتي الشخصية بالعلم، ليس كمسار أكاديمي، بل كأسلوب حياة، وطريقة لتفسير العالم، ولترك أثر فيه.
هل كان في محيطك العائلي من ألهمك فكرة البحث العلمي، أو العمل في مشاريع ذات تأثير عالمي؟
نعم؛ فبيئتي العائلية كانت أول مختبر للمعرفة والانضباط والطموح. لم أكن، يومًا، بحاجة إلى قدوة بعيدة، لأنني وُلدت ونشأت بين أشخاص جسّدوا معنى الاجتهاد والتميز في تفاصيلهم اليومية. والدتي كانت المحفّز الأول في حياتي العلمية، فلم تفرض علينا حب التفوق، بل جعلته عادة يومية، وشيئاً طبيعياً نتنفسه كل صباح. كانت تدرك أن التعليم ليس فقط طريق المستقبل، بل شكل من أشكال الكرامة؛ لذلك غرست فينا حب التعلم ليس كوسيلة للنجاة، بل كأداة لصناعة الفرق. كنا - أنا وإخوتي - من الأوائل في منطقتنا التعليمية بأم القيوين، وبلغ بنا التفوق أن كتب عنا الإعلام المحلي، ولا أنسى حين نشرت جريدة «الاتحاد» تقريرًا عن عائلتنا، الأمر الذي جعلني أدرك، لأول مرة، أن الاجتهاد الفردي يمكن أن يُلهم المجتمع، وهذا كان تحوّلاً كبيراً في إدراكي؛ فلم أعد أدرس فقط لنفسي، بل لأكون انعكاسًا لقيمة تربيت عليها. أما والدي، فقد كان ضابطاً في الجيش، ورجل مواقف وقيم. وقد علّمني أن خدمة الوطن لا تتوقف عند ارتداء الزي العسكري، بل بالفكر والبحث والابتكار أيضاً، ما جعلني أعتبر كل إنجاز أكاديمي، أو مهني، مسؤولية وطنية، وليس نجاحاً شخصياً. لذلك، لم تكن عائلتي فقط داعمة، بل كانت بوصلتي.
-
خاتم Alba Pixie (للسبابة) / خاتم Alba Forever / سوار Alba Forever (الأول). سوار Alba Signature (الثاني).. جميعها من Sartoro - عباية من HASHIMI
قِيَم الوطن
كيف انعكست القيم الإماراتية، التي نشأتِ عليها، على طموحاتك، وقراراتك العلمية؟
حين تنشئين في وطن يُعلّمك - منذ طفولتك - أن السماء سقفك؛ فإنك لا تفكرين في النجاح كخيار، بل كواجب أخلاقي. تربّيت في مجتمع تحكمه قيم متجذّرة من الكرم، والإصرار، والمسؤولية، والأهم من ذلك الثقة. الثقة بأن أبناء هذا الوطن، ذكورًا وإناثًا، قادرون على الريادة، وليس فقط على المشاركة. فالقيم الإماراتية لم تكن شعارات تُردّد في الإذاعة المدرسية، بل كانت ممارسات يومية نعيشها. فشاهدنا كيف يؤمن قادتنا بالعلم كأداة للسيادة، وكيف يستثمرون في الإنسان قبل أي شيء آخر. فحين كنت أرى الدعم غير المحدود من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لكل فكرة واعدة، ولكل عقل مُجتهد، يترسّخ في داخلي شعور بأن الجهد لا يضيع، وأن هذا الوطن لا يُكافئ فقط من ينجح، بل يكرّم من يُجيد الحلم أيضًا، وهكذا أصبحت قراراتي العلمية امتدادًا لهذه القيم. لم أدرس في الخارج؛ لأثبت شيئًا للعالم، بل لأعود بشيء أُضيفه إلى وطني، ولم أبحث عن التميز من أجل الظهور، بل من باب الوفاء لمساحةٍ آمنت بي دون شرط، ودعمتني قبل أن أطلب. إن كل محطة علمية في حياتي، كانت مشبعة بهذه القناعة، بأنني أُمثّل وطنًا لا يرضى بالحلول الوسطى، وأن انتمائي إلى الإمارات التزام أخلاقي بأن أكون صورة مشرفة لهذا البلد، حتى في أقصى قاعات البحث، وأدق التجارب.
تخصص نادر
لماذا اخترت «الهندسة البيوكيميائية وقيادة العمليات الصناعية» تخصصاً.. رغم ندرته وصعوبته؟
عادةً، تختار العقول الشابة مسارات مضمونة أو شائعة، لكنني وجدتُ نفسي منجذبة نحو درب غير مأهول، تتقاطع فيه العلوم الحيوية مع الهندسة، ويجمع بين الصرامة الأكاديمية والتطبيق العملي على مستوى الإنتاج الصناعي الدقيق. لم يكن اختياري بدافع التميز فقط، بل لأنني شعرت بأنه اللغة المثالية للتحدث مع المستقبل. ولطالما أثارت العلوم الحيوية فضولي، لكنني كنت أبحث عن مجال يجمع بين العمق النظري والتطبيق العملي. و«الهندسة البيوكيميائية» كانت مزيجاً مثالياً، من علم، وتقنية، وحل مشكلات.. فكانت فرصة لأكون جزءًا من المستقبل، لا مجرد طالبة علم له.
عشت قرابة العشر سنوات بين لندن وميلانو، في تحدٍّ يتطلب انضباطاً عالياً.. كيف واجهتِ الغربة؟
عشت بين لندن حيث أنجزت «الدكتوراه» في جامعة (UCL)، وميلانو حيث تشرفت بتولي منصب نائب رئيس عمليات التطوير في منطقة الشرق الأوسط، لإحدى أكبر مجموعات الرعاية الصحية في إيطاليا، فساهمت في تطوير مشاريع استراتيجية، وقيادة فرق متعددة الجنسيات، قبل أن أقرر العودة لخدمة وطني بشكل يليق به. واجهت الغربة بشغف أكبر من الخوف؛ فالغربة كانت اختبارًا حقيقيًا للذات، ولم تكن مجرد انتقال جغرافي، فهي انتقال فكري ونفسي. فعلمتني الانضباط، وتحمّل المسؤولية، وبناء الدعم من داخلي، لا ممن حولي. كذلك علمتني أن الجذور ليست في الأرض، بل في القيم، وعندما تحمل الإمارات في داخلك، فلن تكون غريبًا في أي مكان.
-
أقراط Alba Dreamer / عقد Alba Signature - خاتم Alba Legacy (لليد العليا/ المرفوعة). - خاتم Alba Signature (لليد السفلى). - سوار Alba Signature.. جميعها من Sartoro - عباية وثوب من NAFS Design
هناك من يذهب للدراسة في الخارج ويعود كما غادر، وهناك من يعود وقد تغيّر كلياً.. أي الطريقتين تعكسك؟
بلا تردد.. أنا من الفئة الثانية؛ فقد عدت وأنا أُشبه نفسي أكثر مما كنت، لكنني أحمل عوالم أوسع، ونظرة أعمق، وصمتًا أكثر نضجًا. عدت وأنا أحمل معي دروسًا في الاستقلال، وفي الرؤية العالمية، وفي قوة الانتماء. الدراسة في الخارج طوّرت أدواتي ومدركاتي، لكنها لم تغيّر هويتي، بل صقلتها. كنت ولا زلت أؤمن بأن الغربة تصنعك، ولكن الوطن يحددك.
صوت جماعي لنساء الوطن
كنتِ جزءًا من مشاريع عالمية لتطوير لقاح «كورونا»، وتصنيع «البلازميدات» المعتمدة دولياً.. كيف انعكست هذه التجربة على وعيك بمفهوم «أثر البحث العلمي»؟
لا أعتقد أن هناك اختبارًا أكثر واقعية لجدوى البحث العلمي من أزمة مثل «كوفيد - 19»؛ فخلال تلك الفترة، لم يكن هناك متسع للتنظير أو التأجيل أو التردّد، كان الزمن يتطلب أن يكون العلم أسرع من الخوف، وأن تكون المعادلات الكيميائية والتجريبية أدوات إنقاذ قبل أن تكون نظريات على ورق. «وربّ ضارة نافعة»؛ فخلال «الجائحة» سُلّط الضوء على أبحاثي حين كنت ضمن الفريق البحثي المشترك بين (UCL)، وجامعة أوكسفورد، وشركة «أسترازينيكا»؛ لتطوير لقاح «أسترازينيكا» ضد «كوفيد - 19». هذا المشروع لم يفتح لي فقط أبوابًا أكاديمية أو مهنية، بل جعلني أكثر وعيًا بأن البحث العلمي ليس امتيازًا، بل مسؤولية، واعتراف بي من جهات ومحافل دولية عدة. وقد تم تكريمي من قِبَل وزير الصحة الروماني؛ لإسهاماتي في مجال العلوم، وهو تكريم أعتز به. وفي بلدي الحبيب، نلت ميدالية «فخر الإمارات» من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وهي أعظم ما أفتخر به، ووسام على صدري.
ما اللحظة التي شعرتِ خلالها بـ«أنكِ لا تبنين وحدك»؟
رغم أن العلم، غالبًا، يبدو كمجال فردي، مليء بالعزلة والتجريب المنفرد، إلا أنني أدركت مبكرًا أن الابتكار الحقيقي لا يحدث في الفراغ، بل يتشكّل ضمن شبكات من التعاون، والإلهام المتبادل، والدعم الإنساني، الذي لا يُرى على الورق. ففي كل جلسة نسائية علمية، وفي كل لجنة أشارك بها، أو حوار مع طالبة تبحث عن نصيحة، أشعر بأنني لست وحدي. نحن، بنات هذا الوطن، نبني طريقًا لا لأحدنا فقط، بل لجيل بأكمله، طريقاً مليئاً بالتحديات، لكنه مرصوف بالنية، والتصميم، والإيمان بأن كل خطوة نقطعها، الآن، تُمهّد الأرض لمن سيأتي بعدنا. إنني لا أبني فقط مشروعي العلمي، بل أساهم في بناء سردية جماعية لنساء يؤمنّ بأن العلم رسالة، وليس مجرد مهنة.
تكريمات
ما الابتكار العلمي، الذي تعتبرينه نقطة تحول في مسيرتك المهنية.. حتى الآن؟
نجاحي في تطوير مفاعل حيوي خاص؛ لإنتاج لقاحات «بلازميد» الحمض الوراثي في المركز المتقدم لأبحاث «الهندسة الكيميائية» بجامعة كلية لندن، كان لحظة التحول الأكبر؛ فقد شعرت بأنني لست فقط باحثة، بل جزء من حلٍّ عالمي. كان ذلك إنجازًا علميًا، وإنسانيًا، وشخصيًا.
-
أقراط Alba Dreamer / خاتم Alba Legacy.. جميعها من Sartoro - عباية وثوب من Studio MNEIAE
إدراج اسمك في قائمة «30 تحت 30»، من «Forbes Middle East»، ليس مجرد تكريم، بل شهادة على إنجازات ملموسة.. كيف استقبلتِ هذا الإنجاز، وما الذي أضافه إلى طموحاتك؟
هذا الإنجاز لم يكن فقط لحظة فخر، بل لحظة تأكيد على أن العمل الجاد لا يمر دون أن يُرى. فقد شعرت وقتها بأن مسيرتي ليست خاصة بي، بل تمثّل كل فتاة إماراتية، تدرك أن بإمكانها أن تنافس عالمياً، دون أن تتخلى عن هويتها. إن الظهور في هذه القائمة أضاف بعدًا آخر إلى طموحاتي؛ فلم أعد أبحث فقط عن وجودي في مقدّمة الباحثين، بل أن أفتح الباب لمن يأتي بعدي. أقول من خلال هذا التكريم: «نعم، يمكن للفتاة الإماراتية أن تُسجّل اسمها في قوائم الإنجاز العالمية، دون أن تتخلى عن خصوصيتها، أو تفقد بوصلة انتمائها». إن هذا التكريم، في حقيقته، إشعار بأن الطريق الذي اخترته لا يضيء لي وحدي.
حصلتِ على جائزة الشيخ محمد بن راشد للتميز الحكومي؛ تقديرًا لإنجازاتك العالمية.. هل تعتبرين الجوائز محطة وصول أم دافعاً لمزيد من التحديات؟
أي تكريم من قادتنا ليس نهاية، بل بداية؛ فحين تم تكريمي بجائزة التميز الحكومي، وهي أرفع جائزة للتميز على مستوى الدولة، شعرت بأنني أحمل مسؤولية مضاعفة تجاه الوطن؛ فالجوائز بالنسبة لي ليست لحظة احتفال، بل عهد جديد يجب أن أكون فيه أكثر التزامًا، وتأثيرًا.
درستِ ونجحتِ في بيئات علمية عالمية، ومع ذلك اخترتِ أن تعودي وتواصلي رحلتك من الإمارات.. ما الذي يجعل هذا الوطن - في نظرك - البيئة الأنسب للنمو العلمي، والإنساني؟
الإمارات لا تمثل لنا الوطن فقط، بل هي منصة انطلاق. لقد اخترت أن أعود بعد سنوات من الدراسة والعمل في أوروبا؛ لأنني على يقين أنه يجب عليَّ أن أضع خبرتي في خدمة هذا الوطن؛ فالإمارات لا تطلب منك فقط أن تنجح، بل تهيئ لك بيئة النجاح، وتحتضن طموحك، وتمنحك أدواتك. فالعودة لم تكن فقط عودة إلى البيت، بل إلى المشروع الذي أنتمي إليه.
ما الذي يجعل تجربة الإماراتية في مجالات العلوم والبحث مختلفة عن أي مكان آخر في العالم؟
المرأة الإماراتية تحمل على عاتقها قصة وطن، ودعم قيادة، ورؤية مجتمع يؤمن بها. كما أن وجود سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية (أم الإمارات)، كأيقونة للتمكين والإلهام، وداعمة لطموحات كل امرأة إماراتية، يجعل تجربتنا فريدة، ومليئة بالثقة. وما يميز تجربة المرأة الإماراتية، وتحديدًا في مجالات العلوم والبحث، ليس فقط ما وصلت إليه من مناصب أو إنجازات، بل السياق الذي وصلت من خلاله إلى كل ذلك. فنحن لا نتحرك في فراغ، بل نُشكّل امتدادًا لرؤية قيادية عظيمة، قررت - منذ عقود - أن تُقدّم المرأة شريكاً حقيقياً، لا رمزاً، وهذا ما يجعل تجربتنا مختلفة!
-
أقراط Alba Signature / خاتم Alba Forever، وخاتم Alba Pixie (في يدها اليسرى) / خاتم Alba Signature (في يدها اليمنى).. جميعها من Sartoro - عباية وثوب من NAFS Design
مستقبل الطب
ما المستقبل الذي تتخيلينه للمرأة الإماراتية.. خلال الخمسين عامًا القادمة؟
أراه مستقبلاً لا نكتفي فيه بالمشاركة بل نصنعه، ونقوده، ونرسم ملامحه محلياً وعالمياً؛ فالمرأة الإماراتية لم تصل إلى ما هي عليه نتيجة دفاع أو صراع، بل من موقع الثقة والبناء. لذلك، فإن خطّ صعودها لن يكون متوترًا أو ارتجاليًا، بل سيكون مدروسًا، وراسخًا، ومدعومًا بكل أدوات التمكين، التي وُضعت لها منذ البداية.
كيف انعكست رؤية الإمارات بالاستثمار في العلوم والابتكار على مسيرتك الشخصية؟
رؤية الإمارات للعلم والابتكار لم تكن شعارات، بل خريطة طريق سارت معي خطوةً بخطوة؛ فهذه الدولة لا تنتظر أن تنجح صدفة، بل تزرع لك كل أسباب النجاح، وتشجعك على أن تحلم أبعد مما تتخيل. وهنا، أقتبس قول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: «لا تتوقفوا عن التعليم، ولا تظنوا أن لدينا اكتفاءً.. نحن في سباق إلى يوم الدين مع العالم أجمع». إن الرؤية الواضحة التي تبنتها الدولة؛ للاستثمار في الابتكار؛ جعلتني أدرك أن مكاني الطبيعي في قلب هذه المنظومة، وأن كل بحث أنجزته، كان امتدادًا لرؤية بلدي، الذي يريد أن يكون في الصدارة.. علميًا، وإنسانيًا!
لو طلبنا منكِ وصف الإمارات بكلمة واحدة من قاموس العلوم والبحث؛ فماذا ستكون هذه الكلمة، ولماذا؟
إذا أردتُ أن أختصر الإمارات في مصطلح علمي واحد؛ فلن أتردد في اختيار كلمة «Accelerator»، أو «المسرّع»، بالمعنى الدقيق الذي نستخدمه في المختبرات الفيزيائية والكيميائية؛ فالإمارات تُسرّع كل شيء: الفرص، والتمكين، والتقدم. تمامًا كما تُستخدم المسرّعات في العلوم؛ لتكثيف التفاعل، وبلوغ النتائج، وتفعل الإمارات الشيء نفسه مع الإنسان؛ فوطننا ليس بيئة انتظار، بل بيئة انطلاق. بالنسبة لي، كانت الإمارات دومًا ذلك «المسرّع»، الذي يدفعني إلى ما هو أبعد من الممكن، وكلما ظننت أنني وصلت، باغتني بسؤال: «وماذا بعد؟».
ما المجال العلمي أو التكنولوجي، الذي تتوقعين أن يشكل ثورة مقبلة في المستقبل القريب؟
أتوقع أن يكون العلاج الجيني والطب الدقيق قلب الثورة القادمة، كما أنني على يقين أن الإمارات ستكون من الدول الرائدة في تبني هذه التقنيات، ليس فقط لأن هذه المجالات تمثل طفرة علمية، بل لأنها تُعيد تعريف العلاقة بين المريض والعلاج، وبين التشخيص والخصوصية، وبين الدواء والجينات، وليس ذلك فقط بسبب توفر البنية التحتية، وإنما لأن هناك إرادة سياسية، ورؤية علمية، تؤمنان بأن صحة الإنسان أولوية.
بعد كل هذه الإنجازات.. ما الحلم الأكبر الذي تطمحين إلى تحقيقه، ولم يحن وقته بَعْدُ؟
لا يزال هناك الكثير؛ فالحلم لا يتوقف عند الإنجازات الفردية.. حلمي أن أرى أبناء وطني يقودون أبحاثًا تُحدث فرقًا عالميًا، وتُبرز مكانة دولتنا الريادية في المجالات كافة. إن طموحي لا يقتصر على منجزاتي، بل يمتد إلى أن أكون ابنة هذا الوطن، مستلهمةً رؤية قادته، ومنهم سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، فسموه يمثل لي قدوة في الرؤية الاستراتيجية، والشغف ببناء اقتصاد معرفي مستدام. إن وجود قيادات ملهمة، كسموه، تؤمن بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأسمى، وتدفع نحو التميز والريادة، يرسّخ بداخلي قناعة بأن الطموح ليس سعياً فردياً، بل تجسيد حيّ لرؤية وطنية، نحو المستقبل الذي نحلم به جميعًا.
ما الرسالة التي ترغبين في أن تصل إلى الفتيات الإماراتيات، اللواتي يحلمن بمجالات علمية؟
اليوم، أرى أن رسالتي تتجاوز الإنجاز المهني؛ لتكون مصدر إلهام للفتيات الإماراتيات في الميادين العلمية كافة. وأقول لهن: لا يوجد شيء بعيد، ولا تخصص مستحيل، والوطن ينتظر بصماتكن، وهو يستحق منكن أن تبرعن في كل مجال!