#منوعات
لاما عزت اليوم
في دورته السابعة عشرة، يرسّخ «فن أبوظبي» مكانته كمنصة تتجاوز العرض التقليدي؛ لتغدو فضاءً للتجريب والحوار، وجسراً يصل بين الذاكرة والخيال، وبين المحلي والعالمي. ويُقام «المعرض»، هذا العام، في منارة السعديات، من 19 إلى 23 نوفمبر 2025، حاملاً معه برنامجاً طموحاً، يكرّس حضوره كعلامة فارقة في المشهد الفني إقليمياً، ودولياً. ومن أبرز مبادراته، يطلّ برنامج «آفاق الفنانين الناشئين»، الذي يفتح الأبواب أمام جيل إماراتي جديد، ليمنحه مساحة لابتكار أعمال تستلهم الذاكرة والمكان والإنسان. وتحت إشراف الفنان والقيم الدولي، عصام كرباج، اختيرت ثلاثة أصوات شابة: مكتوم آل مكتوم، وسلمى المنصوري، وآلاء عبد النبي، ليقدّموا مشاريع تستوحي من مدينة العين بما تحمله من طبقات تاريخية ورمزية، وبما تختزنه من مفردات الطبيعة والإنسان.. التقت «زهرة الخليج» هؤلاء المبدعين؛ فكان لكل منهم صوته المتفرّد، وحواره العميق مع الماضي والحاضر والمستقبل. ومعاً، يشكّلون لوحة جديدة، تؤكد أن «فن أبوظبي» ليس مجرد معرض، بل وعد متجدد بأن تظل الإمارات منارة للفن المعاصر، ومنصة لأصوات تحمل هويتها الخاصة، وتطمح أن تُسمع على امتداد العالم:
-
«فن أبوظبي» من العين إلى العالم.. رحلة تعيد صياغة الهوية البصرية
عصام كرباج: أفتح للفنانين فضاءً للجرأة والتجريب
في رؤيته للبرنامج، يصف كرباج «آفاق الفنانين الناشئين» بأنه أكثر من مبادرة، فهو «منصة حقيقية للإبداع، تمنح الفنانين الشباب فرصة للتأمل والانكشاف، وتبني فضاءً للحوار بين المحلي والعالمي». ويؤكد أنه لا يريد أن يكون مرشداً يُلبس الفنانين صوته، بل «مرآة تعكس رؤاهم»، فيقول: «أطرح أسئلة أكثر مما أقدّم إجابات، وأسعى لتكون علاقتي بالفنانين مبنية على البحث والتجريب، لا على التلقين. فالخبرة، هنا، أشبه ببوصلة تشير إلى الاحتمالات، لكنها لا تحدّد الطريق». ويتابع: «وحين تُعرض هذه الأعمال ضمن فعاليات (فن أبوظبي)، تبدأ رحلتها نحو فضاءات أوسع، حاملة معها نبض الإمارات، وصدق التجربة. ورغم تعدد المبادرات الدولية، فقلما نجد ما يجمع بين السخاء والعمق، كما يفعل هذا البرنامج، الذي يمنح ثلاثة فنانين فرصة فريدة لتطوير أعمالهم، بإشراف قيّم، ومساحة عرض متميزة، وجولة دولية تفتح أمامهم آفاقاً جديدة. وهكذا، لا يُعد (فن أبوظبي) مجرد منصة فنية، بل حاضنة للخيال، ومحرّكاً للرؤية، يسهم في بناء جيل جديد من الفنانين الإماراتيين، القادرين على التفاعل والتأثير في المشهد الفني العالمي».
وفي النسخة السابعة عشرة من «فن أبوظبي»، ستكون العين للمرة الأولى في قلب برنامج «آفاق الفنانين الناشئين»، حيث يستلهم الفنانون المشاركون رؤاهم من المدينة، لتحويلها إلى أعمال بصرية، تعبّر عن علاقتهم بالمكان، وتفتح نوافذ جديدة للتفاعل معه، يقول عصام كرباج: «لقد زرت مدينة العين مرتين، وفي كل مرة شعرت بأنها ليست مجرد مدينة، بل ذاكرة حيّة تنبض بالتاريخ، ومشهد بصري غني بالإلهام، تتدفق منه صور بالتفاصيل، التي تتسلل إلى وجدان الفنان دون استئذان. في اللغة العربية (العين) تعني النبع، وهي بالفعل نبع للإلهام ومفاهيم تتجاوز المكان؛ لتلامس المعنى». ويتابع: «طاقة المدينة تترك أثراً بصرياً وروحياً في كل مَنْ يتأملها، ويسعدني أن أرى الفنانين الشباب يستلهمون من العين مفاهيم تتعلق بالهوية، والذاكرة، والشعر البصري؛ ليقدموا عبر أعمالهم سرديات جديدة، تمنح الزائر فرصة لرؤية المدينة من زاوية أكثر شاعرية وعمقاً». من هنا، جاءت العين لتكون مصدر إلهام أساسياً، فهي مدينة ليست مجرد جغرافيا، بل «ذاكرة حيّة تنبض بالتاريخ والطبيعة»، تمنح الفنانين الشبان طاقة بصرية وروحية، وتفتح أمامهم أفقاً جديداً من السرديات.
ويصف عصام كرباج «آفاق الفنانين الناشئين» بأنه منصة فنية إماراتية، تحمل ذاكرتها، وتاريخها الإبداعي الناشئ؛ لتتحول إلى خطاب بصري عالمي، ينبض بهوية طموحة تحتفي بالإبداع. وبالنسبة له، هو بمثابة مسح سردي، مستلهم من روح المكان كمصدر إلهام إنساني، يتجاوز القارات. ويؤكد أن غاية «البرنامج» أن يُلهم جمهور أبوظبي والعالم معاً، وأن يعيد رسم حدود الفن المعاصر في المنطقة؛ باعتباره حواراً إبداعياً، يثري العلاقة بين المكان والذاكرة، مانحاً الفنانين الشباب منصة فاعلة؛ للتأثير في الخارطة الفنية العالمية.
-
«فن أبوظبي» من العين إلى العالم.. رحلة تعيد صياغة الهوية البصرية
مكتوم آل مكتوم: بناء العوالم رحلة لاكتشاف الذات وتجربة للمتلقي
يشارك الفنان الإماراتي مكتوم آل مكتوم في برنامج «آفاق الفنانين الناشئين 2025»، كصوت بصري، مشغول بالبحث عن معنى أبعد من الشكل، حيث تتقاطع أعماله مع الأساطير والمعتقدات، وتتحوّل إلى عوالم سردية، تستحضر الزمن والقيمة والذاكرة الجمعية. ويرى مكتوم أن ميله إلى بناء العوالم لم يكن نتيجة نية مسبقة، بل جاء كتطور طبيعي لمسيرته الفنية. فبعض الأفكار، كما يصف، تطلبت مزيداً من الحكاية والسياق والغموض، فاستجاب لها بابتكار قوانين وديناميكيات جديدة، تسمح للعمل بأن يوجد داخل عالمه الخاص.. يقول: «هذه العملية ممتعة بقدر ما هي كاشفة للذات، فهي رحلة استكشافية لي بقدر ما هي تجربة للمتلقي». مشاركته في «البرنامج» قادته إلى مدينة العين، التي يصفها بأنها منجم للذاكرة البصرية. فهناك، اكتشف سرديات تاريخية غائبة، لكنها ما زالت حاضرة في نسيج الحياة اليومية. هذه التجربة، كما يقول، منحت أعماله عمقاً إضافياً، إذ سمحت له بتوسيع عالمه الفني، عبر أسئلة تستند إلى التاريخ القائم، سواء المُكْتَشف أو الخفي. ومن أبرز محاور تجربته: القيمة والوقت، إلا أنه لا يتعامل معهما مباشرة، بل يترك حضورهما يتشكل في العمل كما تتشكل الكلمات؛ لتكوّن جملة، وعن ذلك يقول: «تفاعلي مع هذين المفهومين قائم على التساؤل والبحث، لا على تقديم إجابات جاهزة. إنهما يظلان، بالنسبة لي، حقلاً مفتوحاً للاكتشاف».
-
«فن أبوظبي» من العين إلى العالم.. رحلة تعيد صياغة الهوية البصرية
ويدرك مكتوم أن جمهور «فن أبوظبي» متنوع، بين المحلي والعالمي، لكنه يصر على أن العمل ليس موجهاً إلى ذائقة محددة، بل يُترك للمتلقي ليقرأه وفقاً لتجربته. كما يرى أن الفجوات في الفهم تضيف بعداً جديداً للعمل، بدلاً من أن تنتقص منه؛ لتصبح المشاهدة مشاركة في إنتاج المعنى. وكذلك، يعتبر مكتوم أن التجربة منحنى تعليمي، دفعه إلى التفكير في أسئلته على نحو أعمق. ويأمل أن تتوسع هذه التساؤلات في بيئات جديدة، داخل الفن وخارجه. ويختتم قائلاً: «لقد منحتني هذه المشاركة فرصة اكتشاف ممارستي الفنية في أفق مختلف. أما للجمهور، فأرجو أن يغادر (المعرض) محمّلاً بالأسئلة لا بالإجابات، وبشخصيات وحكايات تشغل ذهنه، ليستمتع بالسرد، وتفاصيله، ومعانيه».
-
«فن أبوظبي» من العين إلى العالم.. رحلة تعيد صياغة الهوية البصرية
سلمى المنصوري: افن أبوظبيب منحني مساحة لتجريب تقنيات جديدة
في مشاركتها ببرنامج «آفاق الفنانين الناشئين 2025»، تضع الفنانة الإماراتية الشابة، سلمى المنصوري، ذاكرتها في مواجهة النسيان، وتحوّل الفن إلى جسر يربط بين الأماكن الغائبة، والمستقبل. فأعمالها ليست مجرد استعادة بصرية لماضٍ مفقود، بل محاولة لتفكيك تفاصيله الصغيرة، وإعادة صياغتها بلغة تجريدية، وعاطفية في الوقت نفسه. بالنسبة لسلمى، توثيق «المكان الغائب» استعادة لذاكرة لم تُدون في السجلات الرسمية، لكنه حُفظ في وجدان الناس.. تقول: «الأماكن التي تُنسى عادةً، هي التي تشكّل وجداننا الحقيقي، والفن ليس وسيلة إنقاذ بالمعنى الحرفي، لكنه قادر على منح الذاكرة امتداداً وجدانياً وحسياً عبر الأثر الفني». وتجمع أعمال المنصوري بين التجريد والسرد الشخصي، حيث تُوازن بين حرية الشكل، وشحنة التجربة الذاتية؛ فهي ترى أن الصدق مع الذات يمنح العمل قوته العاطفية، وتؤكد أن اللوحة ليست لإملاء معنى محدد، بل لفتح باب التأويل أمام المتلقي، وتضيف: «أحياناً يكون الأمر مزيجاً من الحب والكره للمكان ذاته؛ وتكريماً له، ولكن أيضاً مساءلته». في مدينة العين، لم تجذبها الملامح الكبرى بقدر ما أسرتها التفاصيل الصغيرة: بيوت قديمة، وأسواق منسية، ومظاهر طبيعية متآكلة. فتعتبر أن هذه العلامات العابرة مفاتيح لفهم البشر وسلوكياتهم، وأن ما كان، يوماً، جزءاً من حياة إنسان، قد يتحول، اليوم، إلى أثر صامت، لكنه دالّ على هذه التفاصيل، التي تتحول في أعمالها إلى لبنات تُفكك، وتُعاد صياغتها؛ لتنتج سلسلة مترابطة من القراءات البصرية.
-
«فن أبوظبي» من العين إلى العالم.. رحلة تعيد صياغة الهوية البصرية
ولا ترى سلمى استحضار الماضي كفعل تكرار، بل كوسيلة لمخاطبة المستقبل، وتتابع: «حين نعيد تشكيل الذاكرة فنياً، فإننا لا نوثقها فقط، بل نمنح الأجيال القادمة مساحة للتأمل، وإعادة التخيل». وقد قدّم إليها «البرنامج» فرصة للخروج من دائرتها المعتادة، وتجربة تقنيات جديدة، مثل: صناعة الورق، وتشكيل الألياف، الأمر الذي وسّع رؤيتها لمعنى الأرشفة كفعل إنساني، وليس تقنياً فقط. وبتوجيه القيم عصام كرباج، أعادت المنصوري رؤية عملها من منظور أوسع، فبات الورق - بالنسبة لها - جسماً نحتياً قائماً بذاته، لا مجرد سطح للرسم. وهكذا، تقول: «إن العمل الذي طوّرته، تجاوز المادة وممارستها السابقة، وكان رغم تحدياته مساحة للنمو والاكتشاف».
-
«فن أبوظبي» من العين إلى العالم.. رحلة تعيد صياغة الهوية البصرية
آلاء عبد النبي: أعمالي تُحسّ قبل أن تُفهم وتفتح أبواب الأسئلة
تذهب الفنانة آلاء عبد النبي، خلال مشاركتها ببرنامج «آفاق الفنانين الناشئين 2025»، إلى الجذور الأولى للوجود: المادة في تحولاتها، والبحر في ذاكرته الأبدية. إن أعمالها ليست مجرد ممارسة تشكيلية، بل محاولة لالتقاط ما تراكم في طبقات الأرض والمجتمع والذاكرة، وإعادة صياغته بلغة بصرية، تمنح الحاضر والمستقبل معنى أعمق.. وتبين آلاء أنها تبدأ، دوماً، من المادة: تاريخها، وتكوينها، ودورها الثقافي. وتنجذب إلى المواد، التي مرت بتحولات جيولوجية أو إنسانية؛ لأنها تحتفظ بذاكرة كامنة. وتصف تجربتها؛ قائلة: «في هذا (المعرض) استحضرت مواد تستدعي البحر في حالاته المتغيرة بين السيولة والصلابة والبريق والانصهار والتآكل. إنها مواد تحتفظ بأثر الزمن، وتمنحنا انعكاساً بصرياً لذاكرة البحر». ما لفتها في مدينة العين لم يكن مجرد تفاصيل عمرانية أو طبيعية، بل العلاقة المصيرية بين المدينة والماء. فكما في عمق الثقافات الصحراوية، هناك سعي وجودي نحو الماء؛ باعتباره عنصراً بسيطاً في تكوينه، ومطلقاً في ضرورته. كما ترى في ذلك امتداداً لتجربتها الشخصية المتجذرة في شمال أفريقيا، حيث الحوار الأبدي بين الصحراء والبحر. وفي العين، وجدت تقاطعاً مدهشاً، يوحّد مجتمعات متباعدة جغرافياً، لكنها تتشارك المصير ذاته.
-
«فن أبوظبي» من العين إلى العالم.. رحلة تعيد صياغة الهوية البصرية
وتنطلق أعمال آلاء عبد النبي من منظور شخصي بحت، إذ تستخدم الأشياء والعناصر المادية؛ لفهم تاريخها الخاص، وتعقب مساراتها عبر جغرافيات متعددة. لكنها تؤكد أن العمل الفني سرعان ما يتجاوز ذاتها، قائلة: «في نهاية المطاف، هذه الأعمال لا تنتمي لي وحدي، بل تصير ملكاً للمشاهد والمجتمع الذي يحتضنها». ولا تسعى آلاء إلى أن يغادر المشاهد بقراءة مكتملة لعملها، بل بأن يسبق الشعورَ الفهمُ.. فتقول: «ما أطمح إليه هو أن يُحدث العمل استجابة حدسية أولى؛ وأن يُحَسّ قبل أن يُفهم. ففي الحالة المثالية، يثير إحساساً غامضاً بالألفة، لكنه يظل مفتوحاً على مساحات الغموض، التي تولّد فضولاً، وأسئلة».
إن العمل مع القيم عصام كرباج منحها دفعة جديدة في رؤيتها الفنية. فتعلمت، كما تقول، أن اللمسة الرقيقة قد تكون أبلغ من الصخب، وأن الإيماء الخفي يمكن أن يعبر، بقدر ما تفعل الكلمات المباشرة. لقد فتح أمامها آفاقاً جديدة؛ لإدراك كُنه مفهومَي: الحضور والغياب، ورسّخ إيمانها بأن الفن لا يعيش في الانكشاف الكامل، بل في تلك المساحات الهامسة، التي تترك أثراً عميقاً. وتصف آلاء «البرنامج» بأنه أكثر من مبادرة، فهو منظومة متكاملة، تجمع بين الإبداع الفردي، والعرض في الفضاء العام، والتعاون مع المؤسسات. وهدفه، كما ترى، ليس فقط منح الفنانين فرصة للمخاطرة والتجريب، بل لتأسيس مسيرتهم على قواعد راسخة، عبر حوار مع مرشدين، وأقران، ومؤسسات ثقافية.