#مقالات رأي
د. نرمين نحمدالله 10 ديسمبر 2021
المطر!
هدية السماء أم دموعها؟!
الريح تعوي خارج سيارتي، حيث قبعت ساكنة أنتظر، تبكي أوراق الشجر، تتلاصق طالبة الدفء؛ فيصفعها الهواء ليجبرها على التباعد، السماء رمادية كذاك اللون الذي كرهته طوال عمري؛ لميوعته بين أبيض وأسود، بينما أحببته أنت دوماً، زاعماً أنها ليست ميوعة، بل غموض جاذبية تتلون حسب الظروف، وخلف زجاج أقف أراقب الحالمين، وقد خرجوا يتمشون تحت المطر، تتعانق كفوف العاشقين فيضحك عقلي ساخراً، ويبكي قلبي مشتاقاً، وتفرُّ روحي من كليهما هاربة. زفرة مختنقة تلفظها شفتاي، تتكاثف على الزجاج البارد؛ فيتلقفها قلبي ليغافلني - كإصبعي - ويكتبان اسمك فوقها، عجباً! كيف يبدو الكون كله الآن غائماً مشوشاً، عدا اسمك يتبختر لامعاً بوضوح مغيظ؟! كأنه يتحداني أن أنظر إلى الخارج دون أن أعبر فوقه أولاً! حسناً! قد ربح الرهان! وهأنذا أتهجى اسمك لا كنداءٍ، بل كتعويذة كرهت لعنتها، وقدستها! هاهو ذا طيفك يتقدم، يطرق زجاج النافذة، يفتح باب السيارة دون انتظار موافقتي، يستقر جواري، يحتضن كفي، يقبل رموشي واحداً واحداً، كأنه صغير تعلم لتوّه الحساب! (تعالي نلعب! نكذب معاً ويدعي كلانا أنه يصدق الآخر!)، ابتسامتي تمنحك موافقتي فتهتف أنك نسيتني، وأصرخ أنني تجاوزتك، ترفع إصبعك الخالية من خاتمي؛ فأكشف عن عنقي الذي خلت قلادته من دلاية تحمل صورتك، تتبجح بثلاث شعرات شابت في غيابي، فلم أشهد ميلاد بياضها وسط عتمة شعرك، فيسقط وشاحي عن حمرة خصلات شعري الجديدة المتأرجحة بغرور فوق كتفي، ترفع راحتين خاليتين من زهور الأقحوان التي كانت يوماً أيقونة حبنا، فأكشف كاحلي ليبدو عارياً من خلخال تعلم الرقص على أناشيد هواك، المزيد من زخات المطر تعلن نتيجة المباراة.. تعادل! تتسع ابتسامتك لتخالطها دمعة بائسة في عينيك.. (نعكس اللعبة! يبوح كلانا بنزيف قلبه، ويفوز الأصدق)! تنتفض ضلوعي كأنها تعلن حالة طوارئ، مانعة قلبي من القفز إليك، ترفع معصمك لأجد خاتمي ملفوفاً في سوار جلدي قرب عرقك النابض، فأبتسم وأنا أدير قلادة عنقي؛ لتبدو الدلاية المخفية تتعثر بدلال على صدري، تعانق أناملك حمرة خصلات شعري؛ فتبارك حدقتاي وقار مشيبك، تستخرج زهرة أقحوان من جيب قميصك، فأغمزك وقد استبدلت أنا خلخالي بسلسال خصري! البرق يعلن نتيجة المباراة من جديد.. تعادل! لكن الرعد يصفع أذنيَّ، يقتلع طيفك من سيارتي.. وليته يفعل المثل بقلبي! (مجنونة)! أسمع أحدهم يقولها، وقد غادرت سيارتي فاردة ذراعيَّ غير آبهة بسيل ورعد وبرق، هل كنت أطارد طيفك أم أطرده؟! لا يهم! كلاهما الآن واحد! أغمض عينيَّ فلا تأتي.. أفتحهما فلا تأتي كذلك.. أرفع رأسي للسماء أستسقيك مع المطر فتجود به وتبخل بك! أُطْرِق برأسي نحو الأرض.. فأجدها! زهرة أقحوان ذابلة لن يجديها الآن هطول مطر.. أكاد أنحني لألتقطها فيغلبني كبريائي، وتدوسها قدمي.. صوت شجي لـ«سيدة الشرق» يأتي من مقهى قريب «وافتكرت فرحت وياك أد إيه، وافتكرت كمان يا روحي بعدنا ليه، بعد ما صدقت إني قدرت أنسى»، ليعلن هو النتيجة هذه المرة.. هزيمة! والهزيمة في عُرف عشقك انتصار.. كلاهما موت.. كلاهما حياة!