#مقالات رأي
د. نرمين نحمدالله 8 ديسمبر 2022
كنت طفلة مبهورة مفتوحة العينين تستمع للحكاية التقليدية.. (علي بابا) يقف عاجزاً أمام جبل ضخم، يهتف عالياً: «افتح يا سمسم»؛ فتنفتح المغارة، وتنهمر الكنوز! تسأل الطفلة نفسها: كيف لبضع كلمات أن تلين الحجر، وتفتح باب العطايا؟!.. تكبر ويكبر معها سؤالها؛ حتى تلتقيك بقلب أثقلته همومه؛ فأحالته صخراً لا يلين، ظنت أنك تملك - مثل (علي بابا) - تعويذة تصلح لفتحه؛ لعلها تجد معك ما ادخرته من كنوزه!.. لكن تعويذتك كانت دوماً ناقصة.. لا ينفتح لها الباب كاملاً؛ فلا ينالنا إلا نظرة متحسرة لما خلفه، لما كان يمكن أن نجنيه معاً.. لو نجحنا!
هاهي ذي صورة مرآتي تسخر مني في كل مرة أحكي لها الحكاية، تعيّرني بعمري الذي يضيع معك على أرصفة الانتظار، تذكرني بأن الطفلة صارت عجوزاً، تساقطت أسنانها، وشاب شعر الحلم على رأسها، ولايزال باب مغارتها (نصف مفتوح) بأثر تعويذة ناقصة!
يذكرني معطفي الثقيل بالشتاء.. ويذكرني الشتاء بك، وأنا أحسب كم مرة افتقدتك مظلتي تحت المطر؛ فسرت تحته وحدي!
أناملي تتحسس عملة معدنية قديمة، محفوظة في جيبه منذ سنوات بعمر فراقنا.. كانت ما بقي من ثمن آخر وردة اشتريتها كي أهديك إياها! يومها وأنا أرى فرحتك بها أقسمت ألا أضيع ما ظلّ من ذكراها، ولو كان (باقي الثمن)!
طوال هذه السنوات، التي هرب فيها العمر بعدك، وأنا أتجنب ارتداء «المعطف»، أحبسه في خزانة ملابسي؛ كي لا تضيع بقايا عطرك فوقه!
كم قصة ألفتها لمشهد (اللقاء التالي) بيننا؟!.. كم سيناريو وضعته؟!.. كم حذاء ارتديته؟!.. كم تصفيفة شعر غيرتها؟!.. وكم رقعة سترتها في الثوب الوحيد، الذي لا أظنني سألقاك إلا به؟!
أجل.. بالضبط.. الثوب السماوي الذي لطالما أخبرتني أنه يليق بي.. فأنا من كانت تليق بها سعة السماء وصفوها.. لماذا نسيت أن تخبرني أن السماء تضيق أحياناً؟!.. يكدرها الغيم، ويخيفها الرعد، ويرهبها البرق، وتهجرها النجوم، بل ويتبرأ منها القمر؟!
ما الذي تغير فيّ هذا العام؟!.. رغبة عارمة تكتسحني لأعود إلى المكان نفسه، الذي اعتدت أن أنتظرك فيه، هنا حيث مهدت لي أصابعك - منذ سنوات - مجلساً فوق جدار قديم متهالك.. تراك تعود بعدما تعلمت كيف تتم تعويذتك؛ كي ينفتح لها الباب كاملاً؟!.. هأنذا أنتظرك كما وعدتك.. لم تعد جديلتاي كثيفتين كالسابق.. صرت أخفي هزالهما في عقصتهما خلف رأسي.. لم يعد حذائي بسيطاً تزينه جوارب الدانتيل البيضاء؛ فقد تعلمت ارتداء الكعوب العالية مهما آذت قدمي.. لم يعد حاجباي عريضين بشعثهما العفوي؛ فقد اعتدت وجع ترقيقهما.. لا يزعجني كم تغير شكلي، بقدر ما يخيفني السؤال: هل سيعرفني قلبك، ولو أنكرتني عيناك؟!
عواء الريح في الفراغ حولي يمنحني الجواب!.. (علي بابا) الخاص بي ضل الطريق إليّ.. «افتح يا سمسم» صارت صعبة الهجاء على لسان أثقلته مبررات تافهة، وحجج أتفه.. باب المغارة يناظرني عاتباً أن أنصاف الحلول كنصل حاد يسير عليه القلب حافي القدمين، وأن الباب المغلق أرحم بي من باب (نصف مفتوح).
اعذرني لو امتلكت الجرأة، أخيراً، لأتخذ قراري.. هذه المرة لن أترك لك (مفتاح العودة) تحت عتبة باب الانتظار.. وقد عدت غريباً حُرِّمت عليه كنوز المغارة!