#تحقيقات وحوارات
إشراقة النور 14 يناير 2023
تجدل السيدة بسمة آل سعيد من مشاعر التعاطف «ضفائر» مرسلة عبر فضاءات، تألقت فيها أنجم تفردها، وهي تتحدى نفسها وتتفوق، إذ لم تكن اختياراتها بمحض الصدفة، سواء من ناحية انحيازها إلى كل ما هو مختلف واستثنائي، أو نشاطها في التثقيف بالرفاهية العقلية، وهي تعمل بتخطيط متقن وجهد دؤوب، فمن خلال عملها كأخصائية صحة نفسية نظمت أول مبادرة للتوعية بالصحة النفسية في سلطنة عمان والخليج العربي، وبشرت من حولها بأهمية التمتع بحالة ذهنية صحية؛ ما جعل من عيادتها «همسات السكون»، ومنصاتها الملهمة، ومضارب مشروعها الخيري ملاذاً للجميع.. في هذا الحوار، نلقي بالضوء على تجربتها الشخصية والمهنية؛ لنعرف لماذا كرست نفسها لمساعدة الآخرين، خاصة في مجال الصحة العقلية:
• من خلال مبادرات، مثل «نحن معك».. كيف ترين مستقبل الوعي بالصحة النفسية في المجتمع الخليجي؟
- «نحن معك» حملة مميزة، وتجربة مختلفة، فهي الأولى من نوعها في المنطقة التي تستهدف توعية المجتمع بأهمية الصحة النفسية، وتقليل الوصمة الاجتماعية في ما يتعلق بالاضطرابات النفسية، والتخلص من المشاعر السلبية، وهي عبارة عن قافلة تتنقل بين أماكن مختلفة في سلطنة عمان، وأيضاً خارج حدودها. نضيف إليها، أيضاً، تعريف الناس بالتراث، ومن خلال لقاءاتنا معهم ارتأينا أن نكرس مهارات التحدث وتوصيل المعلومة بشكل سهل؛ فهذا الشيء نعتبره مهماً في منطقة الخليج، ومع إقبال الراغبين في الانضمام إلى الحملة، أرى أن المستقبل للوعي بالصحة النفسية، إذا تم ذلك بطريقة غير تقليدية ومبتكرة وفيها سلاسة، لتوصيل المعلومة الصحية.
• الشفاء من خلال مجموعات الدعم، هل يمكن أن يجد مقعداً في المجتمعات العربية، التي تعتبر الخصوصية أمراً مقدساً؟
- من خلال تجربتي عبر 23 سنة، والتي بدأتها من مستشفى الجامعة، حتى افتتحت عيادتي الخاصة؛ أرى أن أهم طرق العلاج النفسي هي مجموعات الدعم؛ ذلك أنه مهما كان المعالج أو الطبيب النفسي ناجحاً؛ فإن إحساس الشخص الذي لديه مشكلة بأن الشخص الذي بجانبه لديه المشكلة نفسها، يجعله يشعر بالارتياح، وهذا ما حدث في مجموعات الدعم التي نتبناها، وهي تضم رجالاَ ونساء، حيث تجاوزنا مسألة الخوف. أما بالنسبة للخصوصية، وكإجراء احترازي، فإن المشاركين يجب أن يوقعوا على ورقة، تلزمهم بالحفاظ على السرية، وأيضاً قواعد تكوين الجلسة.
-
بسمة آل سعيد
تجربة توعوية
• ما الذي يجب أن يفعله كل شخص؛ للمساعدة في تثقيف الناس بمسائل وصمة الأمراض النفسية؟
- لقد أحببت هذا السؤال؛ لأنه مهم جداً؛ فنحن الآن نعمل على قضية وضع إسعافات أولية للصحة النفسية، ويجب على الأفراد أن يعرفوا المبادئ البسيطة عن كيفية تعاملهم مع الحالة الطارئة. أنا مع حصول الناس على معلومات عن الإسعافات الأولية للصحة النفسية، لكن يجب الانتباه إلى أن الأخصائي وحده هو من يشخص الحالة، ويساعد الشخص الذي يمر بحالة نفسية، ومن الخطورة أن يتعامل الناس بالثقافة العامة مع هذه المسألة.
• هل وجدت شيئاً خاصاً بالمرأة، خلال تجربتك التوعوية بالصحة النفسية؟
- تخاف المرأة في بداية طلبها للعلاج، لكن بمجرد أن تشعر بالراحة تجاه المعالج النفسي، أو مجموعة الدعم، وتثق فيهما؛ فإنها تفتح قلبها وروحها، ويكون ذلك حافزاً لتساعد نفسها، فإذا آمنت النساء بشيء يفعلنه، وعندما تحس المرأة بأنها في بيئة آمنة مع وجود المساعدة، وأمامها تجارب ناجحة، فإنها تتقبل التوعية بالصحة النفسية لنفسها وللمجتمع، لكن أتمنى أن يأخذ الناس المعلومات عن هذا المجال من مصادر موثوقة، وأن يكفوا عن الالتحاق بدورات ليست لها علاقة بالصحة النفسية أو علم النفس، ويجب أن يستندوا إلى قاعدة طبية علمية.
• من خلال تأسيسك عيادة «همسات السكون».. كيف تتفاعل قيم الجمال الظاهري مع الجمال المعنوي الحاضر في الفعل الاجتماعي الخيري الذي تقومين به؟
- أسست هذه العيادة من الصفر، ومنذ البداية فكرت في شكلها، فعملت على إدخال الفن والألوان والموسيقى والرائحة؛ ليفهم الناس الصحة النفسية بطريقة مختلفة؛ لأن الشخص الذي يرتاد العيادة يكون في حالة نفسية غير جيدة، وهذه البيئة المزينة بالجمال تمنحه الراحة، ما يحفزه على الكلام ومعاودة المجيء، وهذا ما يميز عيادتنا، حيث استفدت من خبرات السفر إلى الخارج؛ لأجعلها فريدة حتى في توجهها الذي توخيت فيه أن يجمع بين الصحة النفسية والرفاه النفسي.
نشأة ملكية
• نشأت في بيت ملكي.. ماذا أتاح لك هذا؟ وما الذي حرمت منه؟
- تربيت في جو عائلي صحي ومريح، من حيث تعامل الوالدين، لكن ذلك لا يمنع أنني تعرضت لبعض المشاكل مثل أي إنسان، وأنا أعتبر نفسي محظوظة؛ لأنني ترعرعت في كنف ثقافتين بريطانية وعمانية (أمي بريطانية)؛ فاستطعت أن أدمج الثقافتين معاً؛ ما ساعدني كثيراً في حياتي العملية والعلمية. لم أحرم من شيء، لكن نشأتنا في بيوت ذات نفوذ جعلتنا نحمل على عاتقنا مهمة أن نثبت أننا جديرون بما حصلنا عليه من توفيق في الحياة العملية بمحض كفاءتنا وجهدنا. في وقت ما أيام الدراسة، أو بداية العمل، كنت أعمل أكثر من الآخرين، وأبذل جهداً مضاعفاً؛ حتى أثبت أن ما حققته كان نتيجة مثابرتي واجتهادي، وأن ما نلته لم يكن بسبب اسم أو قبيلة. بعد فترة، اكتشفت أنني غير ملزمة بأن أشرح للآخرين ذلك؛ لأني أعرف كل ثانية ودقيقة وساعة قضيتها للوصول إلى ما أنا عليه الآن، وذلك كله ثمرة مستحقة لجهودي، وقد يقول البعض: لِمَ التحدي؟ لكنني أرد عليهم بأنني أتحدى نفسي وأتفوق؛ لأصل إلى كمال إنسانيتي وعطائي.
• ما أكثر ما تفخرين به في مسيرتك؟
- أفخر بأنني أستطيع التحدث في موضوع حساس، مثل الصحة النفسية، بطريقة علمية وسلسة، ولم أستسلم رغم ما كان يقوله البعض لي عن صعوبة «وصمة العار»؛ فأصر على رأيي بضرورة التحدث عنه بأسلوب ابتكاري؛ لأن الابتكار مهم جداً في مجال الصحة النفسية، وأفتخر بأنني من عمان، وأن حملة «نحن معك» - التي ذاع صيتها في العالم - عمانية، وأفتخر كذلك بإنجازاتي التي جعلتني أتبوأ مكانة مرموقة في المنظمات والمنتديات والمجلات العالمية، التي ظهرت على أغلفتها، وكان تتويج ذلك كله بأنني كرمت من قِبَل السيدة الجليلة، وهذا من مصادر فخري، فتكريم المرء في بلده ومنطقته العربية شعور لا يوصف، وأعتز أيضاً بكوني ضمن حكام جائزة ديانا، كأول عربية في هذا «البورد» من المحكمين، وبعد مرور أكثر من عقدين على مشواري؛ أدركت أنني في الطريق الصحيح.
إقرأ أيضاً: نرجس نور الدين: أعشق إبداع الحرف
• ما الذي تودين تغييره في المرأة العربية؟
- ما أريده هو أن تثق بنفسها بصورة متوازنة، فالثقة قوة خارقة، وقد عرف عن المرأة العربية الإبداع، وهذا ناتج عن ثقتها بنفسها، خاصة عندما تعمل المرأة مع المرأة، إذ تصنعان معاً تناسقاً جميلاً، أشبه بعقد اللؤلؤ الذي إن بقي متصلاً أعطى جمالاً وألقاً، لكن إن انفرطت منه حبة تناثرت كل الحبات الأخرى.
• ما هواياتك، وأين تقضين أفضل أوقاتك؟
- أنا أحب الديكور، وتجهيز الحفلات، والاستمتاع بأحاديث المدعوين، كما أهوى الموسيقى بكل أنواعها، وكل شيء فيه ابتكار، بجانب اهتمامي بمتابعة الأفلام الوثائقية وصناعتها، وأيضاً أهوى دراسة التاريخ والسياحة التاريخية.