#مقالات رأي
د. شما محمد بن خالد آل نهيان اليوم
يمضي الإنسان - خلال رحلته مع الحياة - في صخب لا يتوقف، وبحث دائم عن ماهية ذاته، وتبقى التجربة الإنسانية رهينة لسؤال مهم وجوهري، هو: كيف يمكن للإنسان أن يبلغ حالة السلام النفسي، وسط هذا الصخب الذي يعيشه العالم؟.. يظل الكثيرون يبحثون عن تلك الإجابة، وذلك السلام المنشود برحلات حياتية خارجية، تبحث في المفردات المحيطة به، دون أن يدركوا أن تلك الرحلة تبدأ من الداخل، من الوعي بالذات.
الوعي الذاتي ليس فقط أن ندرك وجودنا، بل - في حقيقته - هو الفهم العميق لما يدور في داخلنا من أفكار ومشاعر ودوافع، تحدد سلوكنا مع العالم المحيط بنا، وهو الصوت الداخلي العالي الصدى، الذي يُتعبنا بتلك التساؤلات الصعبة حول تفسير كينونتنا، وتصرفاتنا، والسؤال الأهم: ماذا أريد من هذه الحياة؟
الوعي الذاتي بمثابة منطاد يحلق بنا خارج حدودنا؛ لنرى أنفسنا من منظور أفقي، ثم يقسمنا حتى نراها بمقطع طولي؛ لندرك كل تلك التفاصيل المخبوءة تحت مجهر الوعي والمعرفة. من هنا تبدأ رحلة التغيير؛ حينما ندرك أننا نحتاج إليه.
في رحلة الإنسان مع التغيير، غالباً يتم هذا الأمر نتيجة أحداث وظروف خارجية؛ فيظل بعيداً عن الإرادة الخالصة، بل رهيناً للظروف، وغالباً يكون التغيير ارتدادياً، أي يمكن أن يرتدَّ إلى ما قبله؛ فَوْرَ زوال تلك الظروف، لكن حينما يكون التغيير بدافع الوعي الذاتي؛ حينها يكون اختياراً، وليس إجباراً.
التغيير الذاتي يأتي؛ لأننا - بوعينا - أدركنا أننا نحتاج إلى هذا التغيير؛ فيمارس الوعيُّ مهمته التفكيكية؛ لتفكيك كل تلك الأنماط المعرفية والسلوكية، التي تَحْكُم سلوكنا، ووقتها سنفهم، وسنفسر، وسنجيب على السؤال المحوري: هل أستمر في هذا الطريق، أم أغيره وأسلك طريقاً آخر؟.. هنا، يتحول الوعي الذاتي من أداة لتأمل الذات إلى أداة فعالة للتغيير الإيجابي المستدام. والحصول على الإجابة هو البداية لرحلة من السلام الداخلي، والتصالح مع النفس، والشعور بالهدوء، والتخلص من تلك الصراعات الداخلية المؤلمة للذات، والدخول في حالة من التركيز على الهدف الرئيسي، الذي توصلنا إليه عبر وعينا الذاتي.. فتنطلق خطواتنا نحو التغيير في ظل السلام الداخلي، دون معوقات ذاتية.
يبقى أن ندرك أن السلام النفسي الداخلي لا يعني التخلص من الأزمات، والمشكلات الحياتية، بل يعني القدرة على المواجهة بقوة الوعي الذاتي، والسلام الداخلي. فمثلاً في مجال الرياضة، كلما تدربنا؛ قويت أجسادنا، وامتلكت مهارات عدة، وصارت أكثر تحملاً وقدرة، وكذلك السلام الداخلي يصبح أكثر قوة وسيطرة؛ كلما مارسنا الحوار الصادق مع النفس.
التغيير - في كل حالاته - يصيبنا بالقلق والخوف من التوقعات. لكن، في ضوء السكينة، والوعي الذاتي، وتحررنا من الأوهام والمخاوف؛ سنبدأ عيش الحياة ليس كرد فعل لمفرداتها، بل كاختيار حرٍّ لكيف نعيشها كما نريد نحن، لا كما تريد هي!