#مقالات رأي
د. نرمين نحمدالله اليوم
أعرف طفلة كانت تخاف من القطط السوداء، وتخشى أن تُخرج قدمَيْها خارج الغطاء؛ فتخمشها مخالب قط أسود لا تراه. عاشت طويلاً تتوهم وجوده في كل خزانة موصدة، وخلف كل باب مغلق؛ فظل وهجُ عينيه اللامعتين، كجمرتين من نار وسط سواد ملامحه الداكن، بطل «كوابيسها» لليالٍ كثيرة..!
قالوا لها: «ستكبرين، وستنسين، وسيختفي قطك الأسود!».. لكنها كانت تكبر، ويكبر معها الخوف!.. فلم يعد القط الأسود يتربص خلف خزانة، أو تحت فراش، بل صار حولها في كل مكان.. تُنبته الأرض، وتمطره السماء، ويثمره الشجر؛ فأصبح خوفاً على خوف، وناراً على نار، لا تطفئها تعويذة، ولا تنيمها تهويدة!
وجاء الفارس، وبيده «قوس الحب»، الذي لا تخطئ سهامه!.. فوعدها بأن يصرف القط الأسود، وأن تخلو مدينتها من «رائحة الخوف»، وهل تبقى للخوف رائحة وسط عبير الحب؟!.. استطاعت - بالكاد - أن تجيب السؤال بـ(لا)، وضفيرتها تتأرجح حول رأسها بدلال. لكن، في اللحظة نفسها، يظهر القط الأسود!.. يقضم ضفيرتها، ويلتهمها، ويكسر «قوس الحب»، وتعود رائحة الخوف تزكم أنفها.. يتعاقب الفرسان، ويتغير لون القوس، وتتشابه الوعود.. لكنَّ النهايةَ كما هي، قوسٌ يتكسر، وقط أسود يلتهم ضفيرتها!
في كل مرة أسمع الحكاية؛ أشعر بأنني آلفها، كأنني عشتها من قَبْلُ، غير أنني أدركت - منذ زمن بعيد - أن التعويذة، التي ستقتل القط لا ينبغي أن يتلوها فارس!.. فلن تؤتي ثمارها إلا لو نطقتها أنا أولاً!
في كل مرة أقابل هذه الطفلة التي لا تكبر أبداً، أود لو أشدها إلى حضني.. لو أخبرها بما صار حينما تلوت أنا التعويذة، حينما طردت الخوف بنفسي من داخلي، حينما صممت على هجر أرض الخذلان، واستيطان أخرى؛ فمنحني العوض هوية جديدة!
حينما سقطت الكأس المملوءة من «يدي المرتعشة»؛ لم أبكِ على «اللبن المسكوب»، وساعتها اختفى القط الأسود!.. بل - للمفارقة - تبدّل!.. فظهر مكانه قط أبيض لعق ما انسكب من اللبن، كأنه يمنحني رسالته، التي مفادها أن بعض النهايات تنسج بدايةً، وبعض الكسور تجبر أخرى!
قرأت، يوماً، مقولة: «الفارق بين الحديقة والمقبرة، هو ما نختار أن نزرعه في التراب!».. وأنا أسير، دوماً، حاملة بذور أملي وإيماني؛ لهذا لا يقرب حديقتي قط أسود!