#منوعات
كارمن العسيلي اليوم
تضم المنطقة الثقافية، في جزيرة السعديات – أبوظبي، بين جنباتها أهم المؤسسات والمتاحف، التي تحتفي بالعقل والروح والهوية، وتُجسّد رؤية الإمارة بأن تكون حاضنة عالمية للفكر والإبداع. ففي هذه البقعة المُلهمة، يفتح متحف اللوفر أبوظبي أبوابه؛ ليروي قصة الإنسانية المشتركة، من خلال الفن والحضارات،
وإلى جانبه، تُشكل منارة السعديات منبراً نابضاً للحوار الفني والثقافي، ومركزاً حيوياً يحتضن المعارض والفعاليات، التي تجمع بين المحلية والعالمية. في حين تُعد جامعة بيركلي أبوظبي نموذجاً أكاديمياً فريداً للتعليم الإبداعي المتقدم، إذ تفتح آفاقاً جديدة للشباب في الموسيقى والفنون والتكنولوجيا، وتُعزز دور السعديات كمركز للفكر المستقبلي.
هنا، ندعوكم إلى الاطلاع أكثر على أربعة صروح ثقافية متميّزة أخرى في قلب السعديات، هي: «تيم لاب فينومينا»، التجربة الفنية الرقمية التي افتُتحت حديثاً، ومتحف جوجنهايم أبوظبي الذي سيُعيد رسم خريطة الفن العالمي الحديث والمعاصر، ومتحف التاريخ الطبيعي، الذي يروي حكاية الأرض والحياة عبر العصور، ومتحف زايد الوطني، الذي يخلّد إرث القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، برؤية تُلهم أجيال المستقبل، وتُرسّخ القيم الوطنية.. كما نغوص، معاً، خلال سطورنا المقبلة في تفاصيل هذه الصروح، التي لا تُشبِه سواها، ونكشف الستار عما يجعل منها محطات لعشاق الفن، والفضول العلمي، والدهشة المستمرة.
-
متاحف السعديات.. رحلة في عوالم الفن والعلم والتاريخ
متحف زايد الوطني ينبض بروح الاتحاد
يقف متحف زايد الوطني شامخاً، وصرحاً معرفياً وإنسانياً، يروي قصة وطن، ويُخلّد إرث قائد. فهو متحف ينبض بروح الاتحاد، ونطل من خلاله على ماضٍ غني؛ لنستلهم منه ملامح مستقبلٍ أكثر إشراقاً. ويأخذنا متحف زايد الوطني، المتوقع افتتاحه قريباً، في رحلة تاريخية، تبدأ من أقدم الشواهد الأثرية على أرض الإمارات، وتصل إلى مرحلة قيام الدولة، وتوحيدها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. ويحتفي «المتحف» بالقيم، التي غرسها الوالد المؤسس في شعبه؛ ومنها: العدل، والتسامح، والطموح، وحب الأرض والإنسان. ومن خلال صالات عرض تفاعلية، وقطع نادرة، وصور لم تُعرض من قَبْلُ، نكتشف فصولاً من حياة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بدءاً من نشأته المبكرة وتأثره بوالدته، مروراً بشغفه بالصقارة، ووصولاً إلى الاجتماع التاريخي في «سيح السديرة»، الذي مهد لتأسيس اتحاد دولة الإمارات.
كما تُعرض في «المتحف» مقتنيات فريدة، منها: سماعة جنينية من الستينيات، ومصباح عباسي يعود إلى القرن التاسع الميلادي، وطبق من الكريستال الصخري، إلى جانب مجموعة نادرة من الصور الأيقونية، التي التقطها المصور الفرنسي جاك بورلوت في سبعينيات القرن الماضي؛ لتوثق ملامح الحياة في بدايات الاتحاد، ومشاريع التنمية الطموحة. ولا تقل الهندسة المعمارية للمتحف سحراً عن مضمونه؛ فقد صُمّم من قِبَل الشركة العالمية «فوستر وشركاه»، ويتخذ شكل جناحَيْ صقر محلّق، كرمز للعزّة والهوية الإماراتية، ومحاكاة بصرية لارتباط المغفور له الشيخ زايد بالطبيعة والتراث. كما تم دمج مبادئ الاستدامة التقليدية مع التقنيات الحديثة؛ لتوفير بيئة معمارية، تتناغم مع المناخ المحلي، وتحافظ على التراث. وفي التزامه بالشمولية، يرحب «المتحف» بكل الزوار، من مختلف الخلفيات والقدرات، ويخصص برامج تفاعلية وتعليمية لأصحاب الهمم، وكبار السن، ما يجعله مساحةً للتواصل والتعلم لجميع أفراد المجتمع.
-
متاحف السعديات.. رحلة في عوالم الفن والعلم والتاريخ
«تيم لاب فينومينا».. حيث لا يعلق الفن على الجدران
جاهزون لتغيير نظرتكم إلى العالم؟.. إذن، توجهوا إلى «teamLab Phenomena»، الذي افتتح الشهر الماضي في السعديات. في هذا المتحف، التابع لمجموعة «تيم لاب الفنية العالمية»، التي تأسست عام 2001، والتي يتم التعاون فيها بهدف التعمق في نقاط الالتقاء بين الفن والعلوم والتكنولوجيا والعالم الطبيعي، ستعيدون النظر في كل ما تعرفونه عن الإدراك، والواقع، وحتى عن أنفسكم. فهنا الفن لا يُعلق على الجدران، بل ينبض بالحياة من حولكم. هنا، لا تُشاهدون الفن فقط، بل تعيشونه بكل حواسكم. وأيضاً، هنا، تندمج المؤثرات البصرية والصوتية والحسية؛ لتأخذكم في رحلة داخل عوالم غامرة، تتحول فيها المياه والضوء والهواء إلى أعمال فنية، تتنفس، وتتغيّر كل لحظة؛ فلا تتشابه زيارتان، ولا تشبه تجربة أخرى؛ لأن الفن في «teamLab Phenomena» يتكوّن من بيئته، ويتغير بتفاعلكم معه.
في هذا المتحف الممتد على أكثر من 17,000 متر مربع، تطير الفراشات من حولكم، وتنعكس في بالونات «المرآة العائمة»، بينما تغمركم آلاف الشموس، والسحب المضيئة، في حالة من التأمل والدهشة. أنتم لستم أمام أعمال فنية عادية، بل ظواهر بيئية لا يمكن أن توجد بمعزل عن محيطها، كأنكم تقفون في قلب دوامة تشكّلها الطبيعة، وتدعوكم لتصبحوا جزءاً منها.
تجارب جافة.. ومائية
ينقسم المتحف إلى مسارين رئيسيين، هما: تجارب جافة، وأخرى مائية، ما يجعل زيارتكم مغامرة حسية حقيقية، ومتعددة الأبعاد. لهذا السبب، يُستحسن ارتداء ملابس مريحة ومناسبة، وأحذية يسهل خلعها، مع إحضار معطف مقاوم للماء، أو ملابس إضافية لتجارب الماء؛ لتستمتعوا بالتجربة دون قيود. ولأن التفاصيل تصنع الفرق، يقدّم لكم المتحف، أيضاً، تجربة الشاي الياباني التقليدي، في مساحة مستوحاة من روح الفلسفة الجمالية اليابانية، في تحية رمزية لجذور هذا المفهوم الفني، الذي انطلق من اليابان؛ ليصل اليوم إلى قلب أبوظبي.
-
متاحف السعديات.. رحلة في عوالم الفن والعلم والتاريخ
متحف التاريخ الطبيعي يروي حكاية نشأة الأرض ومستقبلها
زيارتكم إلى متحف التاريخ الطبيعي، بجزيرة السعديات في أبوظبي، ستدغدغ أحلام طفولتكم بملامسة القمر، ومشاهدة الديناصورات عن قرب، كيف ذلك؟.. سينقلكم المتحف عبر مليارات السنين من تاريخ كوكب الأرض، من أول انفجار كوني إلى نشأة الحياة، وتطور الكائنات الحية، ثم الإنسان؛ فكل قاعة تحمل مفاجأة، وكل ركن ينطق بحكاية. وأحد أكثر المعروضات إبهاراً قطعة صخرية نادرة من سطح القمر. نعم، إنها جزء حقيقي من القمر جلبته بعثات الفضاء، موجود أمامكم، ويمكنكم تأمله، وربما تتخيلون أنفسكم على سطحه. والأمر لا يتوقف عند القمر، فمن أبرز نجوم المتحف أيضاً، هيكل ديناصور «ستان» الشهير، وهو أحد أكثر هياكل التيرانوصور «ركس» اكتمالًا في العالم، إذ يزيد طوله على 11 متراً. هنا، لا تعود الديناصورات مجرد صور في كتب الأطفال، بل هي واقع ملموس يحفّز الفضول العلمي، ويقربكم من العصور الجيولوجية السحيقة.
وبعيداً عن التوثيق البصري للحياة القديمة، يُلقي المتحف بالضوء على الحاضر والمستقبل، من خلال أقسام مخصصة لتغير المناخ، والتنوع البيولوجي، والابتكارات العلمية؛ ليطرح تساؤلين مهمين: كيف نحمي كوكبنا؟.. وما دورنا كبشر في حفظ هذا الإرث الطبيعي؟
هندسة معمارية مذهلة
منذ اللحظة الأولى، التي تقع فيها أعينكم على مبنى المتحف، ستشعرون بأنكم أمام عمل فني، يُجسد ديناميكية الأرض، إذ استوحي تصميم البناء من التشكيلات الجيولوجية الطبيعية، كأنه تكوّن بفعل الرياح، والماء، والزمن، وزين سطحه بحديقة نباتية، تزيد جماليته. فيما تُضفي الانحناءات العضوية والانسيابية في تصميمه طابعاً فطرياً، يجعلكم تتساءلون: هل نحتته الطبيعة نفسها؟
-
متاحف السعديات.. رحلة في عوالم الفن والعلم والتاريخ
جوجنهايم أبوظبي يعيد تعريف الفن من قلب الصحراء
على بعد خطوات من البحر، يمتد متحف جوجنهايم أبوظبي على مساحة تفوق الـ30 ألف متر مربع؛ ليكون منارة فنية غير مسبوقة في العالم العربي. وسيضم المتحف أكبر مجموعة فنية معاصرة وحديثة في المنطقة، مع تركيز خاص على الفن من جنوب غرب آسيا، وشمال أفريقيا، وأميركا اللاتينية، وشبه القارة الهندية؛ ليُعيد رسم خريطة الفن خارج المركزيات الغربية التقليدية. لكن ما الذي يجعل التجربة مختلفة؟.. هنا، لا تُصنَّف الأعمال حسب الجنسيات أو المدارس، بل وفق مواضيع ومفاهيم وأفكار وأسئلة ملحّة، منها: كيف شكّل الاستعمار ملامح الفن؟.. وكيف نعبّر عن الهوية والانتماء؟.. وما الرابط بين جدارية في ساو باولو، ولوحة تجريدية من طوكيو، أو غرافيتي في القاهرة؟
يأتي كل ذلك في مبنى مدهش، صمّمه المهندس المعماري العالمي فرانك غيري. أراد غيري أن يعكس بتصميمه روح المتحف؛ ليكون بمثابة فضاء فكري مفتوح، يُحتفى فيه بالفن كقوة تغيير وحوار وتواصل. فالمبنى يتميز بتصميم معماري، متمرد على التناظر والتكرار، فيُشبه «مدينة داخل متحف» بتوزيع فوضوي منظم لمساحاته، حيث تتجاور القباب والمعارض، وتتقاطع المسارات كأنها تُمثل طرق التفكير المختلفة، التي ينطلق منها الفن. وفي قلب كل ذلك، ورش عمل، ومختبرات، ولقاءات فنية، وتجارب تعليمية حيّة، تجعلكم لا تكتفون بالمشاهدة، بل ستصبحون جزءاً من الحوار الإبداعي العالمي.. فهل أنتم مستعدون لتلبية دعوة متحف جوجنهايم أبوظبي؛ لاكتشاف الفن من منظور جديد؟!